الأربعاء، 30 مارس 2016

قلبي وقلبك:" 🌾

[📮]

يقول الله تعالى : ( فمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ) سورة الدخان ☁🍃


يقول ابن كثير اي : لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم ، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها فقدتهم ; فلهذا استحقوا ألا ينظروا ! 
عندما نرى الموت يتخطَّف الناس من حولنا ، نجد التقصير أمام أعيننا ..
كيف سيكون حالنا عندما يُقبل الموت علينا هل استعدينا لحياةٍ تحت التراب ؟! 
هل سنكون ممن تبكي السماء والأرض على فقده ! 
هل أعمالنا تستحق ذلك ؟ هل زرعنا بذور خير تنمو .. تثمر وتزهر من بعدنا ؟
هل أخلصنا عبادتنا ، علمنا ، عملنا لله ؟ هل هذه العبادات والأعمال استحقت أن تبكي عليها السماء عندما تفقد صوت صاحبها وعمله ، هل ستبكي الأرض عندما تفقد من يمشي على بقاعها لينثر بذور الخير فيها !
نحتاج حقيقةً إلى وقفة مع قلوبنا نعيد نهضتها نحييها .. نعيد ماتبعثر منها نزيد قربها لله وننيرها بنور الإيمان قبل أن يتخطّف الموت أرواحنا .. 
- تأكد أن نهضة قلبي وقلبك تكون وتبدأ بالقرب من خالقها محييها وبارئها 💘-

الأحد، 27 مارس 2016

تقريب وتهذيب كتاب الصلاة . 🌾

تقريب وتهذيب كتاب الصلاة


(كتاب الصلاة) 

[الدرس الأول]

(باب الأذان والإقامة)

 

- الأذان لغة: الإعلام.

اصطلاحا: التعبد لله بالإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص.

 

- الراجح: أن الأذان أفضل من الإمامة؛ لورود عدة أحاديث بفضل الأذان، منها: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) [مسلم]، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، واختيار ابن تيمية.

ومعنى الحديث المذكور:

أن المؤذنين أكثر الناس تشوفا لرحمة الله يوم القيامة.

 

- حكم الأذان والإقامة:

أ) هما فرض كفاية في الحضر (القرى والمدن) على الرجال الأحرار؛ لقوله ﷺ لمالك بن الحويرث: (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) [الشيخان].

ب) والأذان والإقامة مسنونان للمنفرد؛ لقوله ﷺ: (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي) [صححه الألباني].

ج) ومسنونان أيضا للمسافر؛ لأن النبي ﷺ لم يدعهما لا حضرا ولا سفرا، وهو مذهب الجمهور.

د) والأذان والإقامة مكروهان للنساء ولو بلا رفع صوت؛ لأنهما من وظائف الرجال، وهو مذهب الجمهور.

 

- شروط صحة الأذان:

١) الترتيب بين الجُمل؛ لحديث: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) [الشيخان].

٢) الموالاة بين الجمل؛ لأنه لم يُنقل إلا متواليا.

٣) أن يكون المؤذن واحدا؛ للحديث المتقدم.

٤) النية؛ لأنه عبادة فلا بُد لصحته من النية.

٥) كون المؤذن مسلما؛ لأنه هو من تُقبل منه العبادة.

٦) ذكرا؛ لأن رفع الصوت به ركن، وليس للمرأة رفع صوتها.

٧) عاقلا، مميزا؛ لأن المجنون لا قصد له، وغير المميز ليس من أهل العبادة.

٨) ناطقا؛ لأنه لا يمكن أذان بلا نطق. فلا يصح بالإشارة.

٩) عدلا؛ لحديث: (المؤذن مؤتمن) فوصف المؤذن بالأمانة. والراجح: صحة أذان الفاسق، والعدل أولى.

١٠) بعد دخول الوقت؛ لحديث: (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم).

إلا أذان الفجر فيصح بعد منتصف الليل؛ لحديث ابن عمر: (إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم) [الشيخان].

ولا يكفي الأذان الأول عن الثاني عند دخول الوقت.

- رفع الصوت بالأذان ركن، ما لم يؤذن لحاضر.

 

[الدرس الثاني]

- يُسن أن يتوافر في المؤذن الصفات التالية:

١) كونه صيّتا، أي: صوته قوي وحسن؛ لقول النبي ﷺ لعبد الله بن زيد لما رأى الأذان: (فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتا منك) [صححه الترمذي].

٢) أمينا؛ لأنه مؤتمن على الوقت.

ورجح ابن عثيمين وجوب الأمانة في المؤذن.

٣) عالما بالوقت؛ لكي يؤذن في الوقت، والمراد معرفة العلامات الشرعية لدخول الوقت، كالزوال علامةً على دخول الظهر.

٤) متطهرا؛ لحديث: (إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر) [صححه الألباني].

٥) قائما فيهما؛ لقوله ﷺ لبلال: (قم فأذن) [البخاري]، وحكاه ابن المنذر إجماعا.

- لا يُكره أذان المُحْدث، بل يكره إقامته؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفصل بين الصلاة والإقامة، ولخروجه من المسجد بعد الإقامة.

 

- يُسن للمؤذن مراعاة الأمور التالية:

١) الأذان أول الوقت؛ ليتمكن الناس من المبادرة للصلاة، كما يفعل مؤذنو النبي ﷺ، ولحديث جابر بن سمرة: (كان بلال يؤذن إذا دحضت) [مسلم].

فإن كان الأذان خاصا لا عاما، كجماعة في سفر، فلهم تأخير الأذان إلى قرب الصلاة؛ لأن الأذان تابع للصلاة؛ ولحديث أبي ذر: كنا مع النبي ﷺ في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي ﷺ: (أَبْرد) [الشيخان].

٢) والترسل فيه؛ أي: يؤدي المؤذن كل جملة وحدها؛ لأن الترسل أبلغ.

٣) وأن يكون على عُلو؛ لأنه أبلغ في إسماع الناس، كما كان يفعل بلال، والآن يحصل المقصود بمكبرات الصوت.

٤) وأن يرفع وجهه إلى السماء أثناء الأذان؛ إشارة إلى التوحيد، وهذا استحسان من بعض العلماء، لا دليل عليه.

٥) جاعلا سبابتيه في أذنيه؛ لقول أبي جحيفة: (رأيت بلالا يؤذن ويدور، ويَتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه) [صححه الترمذي].

٦) مستقبلا القبلة، إذ حكى ابن المنذر الإجماع على استحبابه.

٧) ويلتفت يميناً لحي على الصلاة، وشمالا لحي على الفلاح؛ لحديث أبي جحيفة: (فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يقول يميناً وشمالاً: حي على الصلاة، حي على الفلاح) [مسلم].

والالتفات مشروع حتى مع وجود المكبرات؛ لأن الحكمة ليست مجرد التبليغ.

٨) وأن يقول بعد حيعلة أذان الفجر: (الصلاة خير من النوم) مرتين، ويسمى التثويب.

٩) وأن يتولى الأذان والإقامة واحد ما لم يشق؛ لأنه هو المأثور.

 

- من جمع أو قضى فوائت، أذن للأولى، وأقام للكل؛ لحديث جابر: (صلى النبي ﷺ بمزدلفة المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) [مسلم].

 

[الدرس الثالث]

- السنن المتعلقة بمن يسمع الأذان والإقامة:

- يُسن لمن يسمع المؤذن أو المقيم أن يقول مثله، إلا في الحيعلة فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي التثويب (وهو الصلاة خير من النوم) يقول: صدقت وبررت، وفي لفظ الإقامة (وهي قد قامت الصلاة) يقول: أقامها الله وأدامها، ثم إذا فرغ المؤذن يصلي على النبي ﷺ، ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته [البخاري].

ولا يقول: إنك لا تخلف الميعاد؛ لأنها زيادة شاذة.

والدليل على استحباب المتابعة، حديث أبي سعيد الخدري: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) [الشيخان]، والصارف للأمر عن الوجوب إلى الاستحباب أحاديث، منها: حديث مالك بن الحويرث: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)، فالمقام مقام تعليم ولم يعلمهما النبي ﷺالمتابعة فدل على أنها مستحبة، كما أفاده ابن عثيمين.

والدليل على الحوقلة إذا حيعل المؤذن: حديث عمر، وفيه: (ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) [مسلم].

والدليل على مشروعية متابعة المقيم: عموم حديث: (فقولوا مثل ما يقول المؤذن) وهذا اختيار ابن قدامة.

وقيل: لا تشرع متابعة المقيم؛ لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ.

والدليل على مشروعية (أقامها الله وأدامها): أن بلالا أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي ﷺ: (أقامها الله وأدامها) لكن [إسناده ضعيف] فلا تشرع.

وأما قول (صدقت وبررت) فهو وارد عن ابن سيرين، وليس له أصل مرفوع، فلا يشرع، والصواب أن يقول مثلما يقول المؤذن.

الخلاصة: يشرع متابعة المؤذن دون المقيم، وكذلك تشرع الحوقلة، ثم الدعاء بعد فراغ المؤذن.

 

- الخروج من المسجد بعد الأذان محرم؛ لقول أبي هريرة عن الذي خرج بعد الأذان: أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ [مسلم].

ويستثنى حالان من التحريم:

١) من له عذر في الخروج؛ كأن يكون الشخص إماما لمسجد آخر.

٢) أو خرج ونوى الرجوع؛ كأن يخرج للوضوء ثم يعود، ودليل ذلك حديث أبي هريرة: خرج إلينا رسول الله ﷺ فلما قام في مصلاه، ذكر أنه جنب، فقال لنا: (مكانكم) ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر [الشيخان].

[الدرس الرابع]

- من سمع الأذان أثناء صلاته: فإنه لا يجيب، عند جمهور العلماء؛ لحديث ابن مسعود: كنا نسلم على النبي ﷺ وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: (إن في الصلاة شغلا) [الشيخان].

 

- من سمع أكثر من مؤذن فإن السنة تحصل بإجابة واحد، ولا مانع من إجابة الثاني؛ لعموم حديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) وهذا ذِكر ولا مانع من تكراره، وهو اختيار ابن تيمية، وابن عثيمين.

 

- ما يأخذه المؤذن على أذانه له حالان:

١) إن كان إجارة فلا يجوز؛ لأن الأذان قربة، ولا يجوز أخذ الأجرة على القُرب؛ لقوله ﷺ لعثمان بن أبي العاص: (واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) [صححه الألباني].

٢) وإن كان جعالة؛ كأن يقال: من أذن فله كذا، بغير عقد ولا إلزام، فلا بأس به. وكذا الرَّزق، وهو ما يعطاه المؤذن من بيت المال، فهو جائز.

 

- للأذان صفتان:

١) أذان بلال (وهو المشهور عندنا)، وألفاظ الأذان فيه خمس عشرة جملة، وألفاظ الإقامة فيه إحدى عشرة جملة.

٢) أذان أبي محذورة، وألفاظ الأذان

فيه تسع عشرة جملة، وهو مثل أذان بلال، لكنه يكرر الشهادتين كل واحدة أربع مرات: مرتين بصوت منخفض، ثم مرتين بصوت مرتفع.

وألفاظ الإقامة فيه سبع عشرة جملة، وهو مثل أذان بلال، لكنه يزيد (قد قامت الصلاة) مرتين.

وكلا الأذانين جائز، وأذان بلال أولى؛ لأنه كان يؤذن به عند الرسول ﷺ.

 

- قيام المأموم للصلاة عند الإقامة له أحوال:

١) أن يرى المأمومُ الإمامَ قبل الإقامة، فلا يشرع القيام بلا خلاف، ولكن عند سماع الإقامة.

٢) أن تقام الصلاة ويتأخر الإمام عن القيام لعذر، فلا يُقام حتى يفرغ من حاجته، كما رجحه ابن رجب؛ لحديث أبي قتادة: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) [الشيخان].

٣) أن يقوم الإمام مع الإقامة، أو تقام الصلاة بعد دخوله المسجد وإقباله، فهنا الأولى القيام قبل الفراغ من الإقامة دون تحديد؛ لعدم الدليل على تحديد لفظة يقام عند سماعها.

 

- عدد التكبير في أول الأذان:

الراجح: أنها أربع تكبيرات، وهو قول الجمهور؛ بدليل حديث عبد الله بن زيد وأبي محذورة.

 

- التطريب في الأذان:

وهو تلحينه على أوزان الغناء ونحوه، هذا النوع مكروه عند السلف، روي أن ابن عمر قال لمؤذن: (إني أبغضك في الله؛ إنك تبغي في أذانك) أي: تتجاوز الحد المشروع بتمطيطه والتطريب فيه.

 

- فائدة:

ظاهر السنة عدم مشروعية إعادة الأذان في مسجد واحد لوقت واحد؛ لحديث أبي هريرة: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) [الشيخان]، فلو شُرعت الإعادة لما استهموا، ولَأذن واحد بعد واحد، كما يقول ابن رجب.

(انتهى باب الأذان والإقامة)

 

(باب أركان الصلاة)

[الدرس الأول]

- تجب الصلوات الخمس على كل مسلم مكلف، غير الحائض والنفساء؛ لحديث أبي سعيد الخدري: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) [الشيخان].

أما غير المسلم فلا تقبل منه الصلاة ولو صلاها، وإن كان معاقبا على تركها؛ لآية: {ما سلككم في سَقَر؟ قالوا لم نك من المصلين}.

وكذا الصبي والمجنون لا يطالبون بها؛ لحديث: (رفع القلم عن ثلاثة).

 

- وتصح الصلاة من المميز، وهو من بلغ سبع سنين، والثواب له.

ويلزم وليه أمرُه بها لسبع، وضربه على تركها لعشر؛ لحديث: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر).

 

- تارك الصلاة له حالان:

أ) إما جحودا لوجوبها، فهذا مرتد، له أحكام المرتدين.

ب) وإما جحودا وكسلا، مع إقراره بوجوبها، فهذا مرتكب كبيرة بالاتفاق، وفي كفره قولان:

الأول: أنه كافر، وهذا مذهب الحنابلة، ورأي ابن تيمية؛ لأدلة منها: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) [صححه الألباني].

القول الثاني: أنه لا يكفر، وهو قول الأئمة الثلاثة، وأدلتهم: عامة أحاديث الرجاء فيمن قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة.

والراجح الأول.

 

- إنما يكفر تارك الصلاة تهاونا بتركها بالكلية، وبهذا تجتمع الأدلة، وهذا رأي ابن تيمية.

 

- من أصر على ترك الصلاة فعلى ولي الأمر قتله، واستتابته ترجع لاجتهاد الإمام كما يرى ابن تيمية، إما أن يستتيبه أولا، أو يقتله مباشرة.

 

[الدرس الثاني]

- أركان الصلاة أربعة عشر؛ لا تسقط عمدا، ولا سهوا، ولا جهلا.

وهي:

١) القيام في الفرض على القادر منتصبا؛ لآية: {وقوموا لله قَانِتِين}، وحديث: (صَلِّ قائما) [البخاري]. ولو صلى قاعدًا مع قدرته على القيام لم تصح صلاته.

لكن يستثنى من وجوب القيام في الفرض ما يلي:

أ) العاجز لمرضه، أو لخوف عدو، أو حبس؛ لحديث: (صَلِّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا).

ب) العُريان فيصلي قاعدًا، والعراة يكون إمامهم معهم في الصف، ويومئون إيماء، وبهذا قال علي وابن عباس.

ج) المصلي خلف إمام عاجز عن القيام، فيصلي خلفه قاعدًا اقتداء به؛ لحديث أنس: (وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودا أجمعون) [الشيخان].

 

- أما القيام في النافلة فهو مستحب وليس بركن؛ لحديث عائشة: (كان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدًا) [مسلم].

 

- لا بد لصحة القيام أن يكون قياما تاما يصدق عليه لفظ (صلى قائما)، والضابط فيه يرجع للعرف، فما سماه الناس قياما فهو قيام، فإن كان منحنيا انحناء ظاهرا لغير عذر، فقد ترك ركنا.

 

- إن خفض المصلي رأسه حال القيام كهيئة الإطراق لم يضره ما دام جسمه وظهره منتصبا؛ لأن الرأس لا علاقة له بمسمى القيام.

 

- يكره القيام على رجل واحدة لغير عذر؛ لمخالفته السنة، وتجزئ صلاته عنه؛ لأنه يسمى قائما.

 

[الدرس الثالث]

٢) تكبيرة الإحرام؛ لقوله ﷺ للمسيء في صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) [الشيخان].

ولا يجزئ غير لفظ (الله أكبر)، فلو قال: الله العظيم لم يجزئ، عند عامة العلماء؛ لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ.

 

- الحكمة من الافتتاح بـ(الله أكبر): أن استحضار هذا المعنى يحمل على الحياء من الوساوس والخطرات.

 

- يجب أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم؛ لأن القيام ركن، فإن كبر وهو قاعد بلا عذر صحت نفلاً لا فرضاً، ومع العذر تصح فرضاً.

 

- (النطق) بتكبيرة الإحرام وبكل ركنٍ واجبٍ (فرضٌ)، وإن لم يسمع الحروف؛ إذ لم يرد في النصوص ما يوجب سماعها.

لكن يجب على الإمام إسماع المأمومين ليتمكنوا من متابعته؛ لأن متابعته واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ويجب على المنفرد تحريك اللسان بالتكبير مع القدرة.

 

[الدرس الرابع]

٣) قراءة الفاتحة في كل ركعة ركن، عند جمهور العلماء؛ لحديث عبادة بن الصامت: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) [الشيخان].

 

- يجب الإتيان بالفاتحة كلها، ولا يخل بشيء منها، فإن أخل بحرف منها أو شدة لم تصح؛ لأنه لم يقرأها كلها، والشدة أقيمت مقام حرف، وإن خفف الشدة صح.

 

- المصلي إذا لم يعرف الفاتحة ولم يقدر على تعلمها قبل الصلاة، فإما أن يكرر ما يحفظه منها، أو يقرأ سورة أخرى بمقدارها ويجزئه ذلك؛ لعموم: {فاتقوا الله ما استطعتم}.

فإن لم يعرف شيئا من القرآن فإنه يعدل إلى التسبيح، فيقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) [صححه ابن حبان].

 

- إذا لم يقدر المصلي على الجمع بين القيام والفاتحة، قدم القراءة وصلى قاعدًا؛ لأن القيام له بدل قريب منه وهو القعود، وقراءة الفاتحة آكد ولا بدل لها من جنسها.

 

- هل يجب على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام؟

رجح شيخ الإسلام الوجوب في الصلاة السرية دون الجهرية؛ لآية: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}.

 

[الدرس الخامس]

٤) الركوع من أركان الصلاة بالإجماع؛ لآية: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.

 

- الركوع له صفتان: مجزئة، ومستحبة:

أ) المجزئة: أن ينحني ويمس ركبتيه بكفيه، وأن يكون إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل.

ب) المستحبة: التي كان الرسول ﷺ  يفعلها، وهي: أن يمد ظهره مستويا، ويجعل رأسه مساويا لظهره، ويقبض ركبتيه بكفيه، مفرجتي الأصابع.

فإن أخل بشيء من ذلك أجزأه ما دام يصدق عليه اسم الركوع عرفا.

والأدلة: حديث أبي حميد: (كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره) [البخاري]، وحديث عائشة: (كان إذا ركع لم يُشخِص رأسه ولم يُصوّبه، ولكن بين ذلك) [مسلم].

 

٥) الرفع من الركوع من أركان الصلاة، ويشترط أن يرفع قاصدا الرفع؛ لأنه عبادة تفتقر إلى نية، فلو رفع رأسه فزعا ولم ينوِ الرفع من الركوع لم يكفِ، فيجب أن يرجع إلى الركوع ويتمه.

 

[الدرس السادس]

٦) اعتدال المصلي قائما بعد الرفع من الركوع ركن لا تصح الصلاة بدونه، وهو قول الجمهور؛ لقوله ﷺ للمسيء صلاته: (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) [الشيخان].

 

٧) السجود ركن؛ لآية: {اركعوا واسجدوا}.

- أكملُ السجود:

أ) أن يُمكِّن الأعضاء السبعة من الأرض؛ لحديث ابن عباس: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين) [الشيخان].

ب) وأن يجافي عضديه حتى يبدو بياض إبطيه ما لم يؤذِ أحدا؛ لحديث عبد الله ابن بحينة: (أن النبي ﷺ كان إذا صلى فرّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه) [الشيخان].

ج) وأن ينصب القدمين؛ لحديث عائشة: (فقدت رسول الله ﷺ ليلة من الفراش فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان) [مسلم].

 

- أقل السجود:

وضع جزء من كل عضو من أعضاء السجود السبعة على الأرض، أما تمكينها من الأرض فمستحب.

 

- مع أن الجبهة والأنف عضوٌ واحدٌ إلا أنه يجب السجود عليهما معا، ولا تكفي الجبهة عن الأنف؛ لحديث: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه) ففيه إشارة إلى أن الأنف تابع للجبهة.

 

- يجب أن يسجد المصلي على موضع مستقر متصل بالأرض، فلو كان منفوشا كالقطن غير المضغوط لم يصدق عليه أنه سجد على الأرض؛ لأنه غير مستقر ولم ينكبس، فلا يصح السجود.

 

- السنة مباشرة الأرض بأعضاء السجود دون وضع حائل إلا للحاجة، كأن تكون الأرض حارّة، ونحو ذلك؛ لحديث أبي سعيد: (أنه رأى أثر الماء والطين على أنف النبي ﷺ وأرنبته) [الشيخان]، وحديث أنس: (كنا نصلي مع النبي ﷺ فيضع أحدنا الثوب من شدة الحر في مكان السجود) [الشيخان].

 

- الحائل بين الأرض وأعضاء السجود ثلاثة أقسام:

أ) أن يكون من أعضاء السجود، كأن يسجد على يده، فهذا لا يجوز لإفضائه إلى تداخل أعضاء السجود.

ب) من غير أعضاء السجود وهو متصل بالمصلي، كعمامته، فهذا جائز للحاجة، مكروه بدونها لمخالفته للهدي النبوي في مباشرة الأرض.

ج) غير متصل بالمصلي، مثل السجاد، فهذا جائز؛ فقد ثبت أن النبي ﷺ سجد على خُمرة، وعلى حصير.

 

- من عجز عن وضع بعض أعضاء السجود على الأرض فله حالان:

أ) أن يعجز عن وضع غير الجبهة، مثل إحدى يديه، فيلزمه السجود على بقية الأعضاء؛ لآية: {فاتقوا الله ما استطعتم}.

ب) يعجز عن وضع الجبهة فقط، فهذا يلزمه الإيماء فقط على المذهب؛ لأن الجبهة هي الأصل؛ لحديث: (إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه) [صححه الألباني].

ورجح ابن عثيمين السجود على بقية الأعضاء قدر الإمكان.

 

[الدرس السابع]

٨) الرفع من السجود ركن؛ كما كان رسول الله ﷺ يفعل.

٩) الجلوس بين السجدتين ركن؛ لقول رسول الله ﷺ للمسيء صلاته: (ثم ارفع حتى تطمئن جالسا)، والاطمئنان معناه الاستقرار، ومقدار الجلوس الواجب: بقدر الذِّكر الواجب بينهما، وتطمئن فيه الأركان، ويقوم فيه الصلب معتدلا.

 

- ليس للجلوس بين السجدتين صفة معينة لا يجزئ غيرها؛ لأنه ورد عن النبي ﷺ صفات متعددة؛ فورد عنه الجلوس متربعا، ومقعيا، ومفترشا، والسنة الافتراش (وهو أن يفترش رجله اليسرى، وينصب قدمه اليمنى، ويوجه أصابعه نحو القبلة). فعن أبي حميد الساعدي: (ثم جلس، فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه) [الترمذي: حسن صحيح].

 

- الطمأنينة ركن في كل ركن فعلي كالركوع والسجود والجلوس، عند جمهور العلماء؛ لقوله ﷺ للمسيء صلاته: (ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما،...).

والقدر الواجب من الطمأنينة في كل ركن هو (بمقدار الذكر الواجب عليه إن كان منفردا وما يحصل به سكون الأعضاء في ذلك الركن، وأما الإمام فيزيد بمقدار ما يأتي المأمومون بالذكر الواجب).

 

[ الدرس الثامن ]

١١) التشهد الأخير ركنٌ، وهو (اللهم صَلِّ على محمد).

- في الصلاة تشهدان:

أ) التشهد الأول، وهو من واجبات الصلاة، وتبطل الصلاة بتركه عمدا، لا نسيانا، لكن يجبره بسجود السهو؛ لحديث عبد الله ابن بحينة: (أن رسول الله ﷺ نسيه، فأتم صلاته، وسجد للسهو) [الشيخان]، فدل على وجوبه، وعدم ركنيته.

 

ب) التشهد الثاني، وهو ركن، ومن تركه لم تصح صلاته؛ لحديث ابن مسعود: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد...) [صححه الألباني]، فدل على فرضيته، دون فرضية التشهد الأول لأن الرسول ﷺ جبره بسجود السهو.

 

- جميع صيغ التشهد تصح الصلاة بها، وحكي إجماعا، وأفضلها: تشهد ابن مسعود في الصحيحين: علمني رسول الله ﷺ وكفي بين كفيه التشهد، كما يعلمني السورة من القرآن: (التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله).

- الصلاة على الرسول ﷺ في التشهد الأخير ركنٌ على المذهب، وسنة عند الجمهور، ورجحه ابن عثيمين؛ لأن أدلة المذهب لا تدل على الوجوب.

 

[الدرس التاسع الأخير]

١٢) الجلوس للتشهد الأخير والتسليمتين ركنٌ، فلو تشهد غير جالس لم تصح صلاته.

ودليل الركنية: أن النبي ﷺ فعله وداوم عليه، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

 

١٣) التسليم ركن عند الجمهور، خلافا لأبي حنيفة؛ لقوله ﷺ : (وتحليلها التسليم) [صححه الألباني].

 

- هل الفرض تسليمتان، أم تكفي تسليمة واحدة؟

المذهب: تسليمتان؛ لحديث ابن مسعود: (أن رسول الله ﷺ كان يسلم تسليمتين) [مسلم]، ولمحافظته ﷺ عليهما حضرا وسفرا، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

ومن اقتصر على تسليمة واحدة مجتهدا فصلاته صحيحة؛ لوروده عن عدد من الصحابة، وحكى ابن المنذر الإجماع على جواز ذلك.

 

- صفة السلام عن اليمين والشمال:

(السلام عليكم ورحمة الله)؛ لحديث ابن مسعود: أن النبي ﷺ (كان يسلم عن يمينه، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) [صححه الألباني].

والأولى ألا يزيد (وبركاته) في التسليم.

 

- يرى الحنابلة أنه يكفي في النفل وصلاة الجنازة تسليمة واحدة، وأن الثانية مستحبة -وفاقا للجمهور-؛ لحديث عائشة أن النبي ﷺ (كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه) [موقوف]، وحديث أبي هريرة: (أن رسول الله ﷺ كبر على جنازة أربعا، وسلم تسليمة واحدة) [حسنه الألباني].

 

١٤) ترتيب الأركان كما ذكرنا ركنٌ، فلو سجد مثلا قبل ركوعه عمدا بطلت صلاته، وسهوا لزمه الركوع ليركع ثم يسجد. والدليل: أن النبي ﷺ صلى مرتِّبا، ولم يُخِلّ بذلك قط، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

 

(فصل في واجبات الصلاة)

- الفرق بين واجبات الصلاة وأركانها:

أن الواجبات لو تركها المصلي سهوا أو جهلا فصلاته صحيحة، لكن يُجبر الواجب بسجود السهو، أما الركن فلا تصح الصلاة إلا بالإتيان به.

 

- واجبات الصلاة ثمانية:

١) كل تكبيرات الصلاة واجبةٌ؛ لأن الرسول ﷺ داوم عليها، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

ويستثنى من الوجوب:

تكبيرة الإحرام فإنها ركن، وتكبيرة المسبوق للركوع بعد تكبيرة الإحرام فإنها سنة.

 

٢) قول الإمام والمنفرد (سمع الله لمن حمده) واجب؛ لأن الرسول ﷺ كان يقول: (سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد) [الشيخان].

أما المأموم فلا يُسمِّع لحديث: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) [الشيخان].

 

٣) قول (ربنا ولك الحمد) واجب على الكل؛ للحديث السابق.

- للتحميد أربع صيغ كلها مشروعة، ينوع المصلي بينها:

أ) ربنا لك الحمد [الشيخان].

ب) ربنا ولك الحمد [الشيخان].

ج) اللهم ربنا لك الحمد [الشيخان].

د) اللهم ربنا ولك الحمد [البخاري].

 

٥،٤) قول (سبحان ربي العظيم) مرة في الركوع، و(سبحان ربي الأعلى) مرة في السجود، واجبٌ؛ لحديث عقبة بن عامر: لما نزلت: {فسبح باسم ربك العظيم} قال رسول الله ﷺ (اجعلوها في ركوعكم)، فلما نزلت: {سبح اسم ربك الأعلى} قال: (اجعلوها في سجودكم) [ضعيف].

- الأظهر عدم تحديد صيغة معينة في الركوع والسجود، بل يجزئ أي صيغة قالها النبي ﷺ في الركوع والسجود، مثل: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) [الشيخان].

 

٦) قول (ربي اغفر لي) بين السجدتين واجب؛ لحديث حُذيفة: (أن رسول الله ﷺ كان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده، وكان يقول: (رب اغفر لي، رب اغفر لي)) [صححه الألباني]، ويرى الجمهور عدم الوجوب.

 

٨،٧) التشهد الأول والجلوس له واجبان؛ لأن الرسول ﷺ داوم عليهما، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)؛ ولأن الرسول ﷺ (لما نسيه جبره بسجود السهو) [الشيخان]، فدل على أنه واجب.

 

- من نسي التشهد الأول له ثلاث أحوال:

أ) ألا يذكره إلا بعد الشروع في قراءة الفاتحة، فيجب عليه الاستمرار في القراءة، ولا يرجع للتشهد لفوات محله، وهو قول الجمهور؛ لحديث: (إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس، فإذا استتم قائما فلا يجلس، ويسجد سجدتي سهو) [صححه الألباني].

ب) أن يذكره قبل أن يستتم قائما فإنه يرجع؛ للحديث السابق. وعليه سجود السهو عند الجمهور.

ج) ألا يذكره إلا بعد أن استتم قائما وقبل القراءة فالصحيح أنه لا يرجع، فإن رجع فصلاته صحيحة عند جمهور العلماء.

 

(باب شروط الصلاة)

[الدرس الأول]

  شروط الصلاة تسعة:

٣،٢،١) الإسلام، والعقل، والتمييز، وهذه الثلاثة شروط في كل عبادة، إلا التمييز فلا يشترط في الحج؛ لذا يصح حج غير المميز.

٤) الطهارة؛ لحديث أبي هريرة: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) [الشيخان].

٥) دخول الوقت؛ لقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}. 

- تفصيل المواقيت:

أ) وقت الظهر:

يبدأ من زوال الشمس بالإجماع؛ لحديث عبد الله بن عمرو: (وقتُ الظهر إذا زالت الشمس) [مسلم]، إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، سوى ظل الزوال، وهذا قول الجمهور.

ب) العصر له وقت اختيار واضطرار:

أما وقت العصر المختار فيبدأ إذا خرج وقت الظهر (حين يصير ظل كل شيء (مثله)، عند الجمهور)؛ لحديث جابر: (وفي اليوم الأول صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله) [صححه الألباني]، ثم ينتهي الوقت الاختياري حين يصير ظل كل شيء (مثليه)، سوى ظل الزوال.

ثم الوقت الاضطراري:

وهو من صيرورة ظل كل شيء مثليه إلى المغرب.

- الفرق بين الوقت الاختياري والاضطراري:

أنه يكره تأخير الصلاة إلى الوقت الاضطراري مع صحتها؛ لحديث: (تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا) [مسلم].

ج) وقت المغرب:

من غروب الشمس بالإجماع؛ لحديث سلمة: (كنا نصلي مع النبي ﷺ المغرب إذا توارت بالحجاب) [الشيخان]، وينتهي بغروب الشفق الأحمر؛ لحديث: (فإذا صليتم المغرب، فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق)، عند الجمهور.

والشفق: هو الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس.

د) وقت العشاء:

يبدأ بغياب الشفق الأحمر؛ لحديث بريدة أن رسول الله ﷺ لم يُصلِّ العشاء إلا بعد أن غاب الشفق [مسلم].

آخره: للعشاء وقت اختيار ووقت ضرورة:

وقت الضرورة يمتد إلى طلوع الفجر، كأن تطهر حائض آخر الليل فيجب أن تصلي العشاء.

ووقت اختيار إلى ثلث الليل؛ لحديث أبي برزة: (كان رسول الله ﷺ يؤخر العشاء إلى ثلث الليل) [الشيخان].

والراجح: أنه إلى نصف الليل؛ لحديث أنس: (أخر النبي ﷺ صلاة العشاء إلى نصف الليل، ثم صلى) [البخاري]، وهو رأي الجمهور.

وحديث أبي برزة (إلى ثلث الليل) لعله كان مراعاة للناس.

هـ) وقت الفجر:

يدخل بطلوع الفجر الصادق بلا خلاف، وينتهي بشروق الشمس عند الجمهور.


[الدرس الثاني]

- يدرك وقت الصلاة بـ(تكبيرة الإحرام)؛ لحديث عائشة: (من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها) [مسلم].

والراجح: أنه يدرك بإدراك ركعة قبل خروج الوقت، وهو رواية عن الإمام أحمد، ومذهب الجمهور؛ لحديث أبي هريرة: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر) [الشيخان].


- لو أدركت امرأة أول وقت الصلاة ثم حاضت باقي الوقت، فهل يجب عليها القضاء إذا طهرت؟

الراجح: لا؛ لأنه (يجوز) لها شرعا تأخير الصلاة ما لم يضق وقتها، وهذا قول مالك، واختيار ابن تيمية.


- المصلي مُخير بين فعل الصلاة في أول وقتها أو آخره؛ لأن وقتها موسع، ما لم يفتْ واجب كصلاة الجماعة، أو يُخْشَ حصول مانع كنزول الحيض، أو دخول وقت الضرورة.


- الصلاة أول الوقت أفضل؛ لأن في ذلك مبادرة إلى فعل الطاعة، وتحصل الفضيلة بالتأهب أول الوقت؛ لأن الاستعداد للصلاة صلاةٌ.

لكن يستحب تأخير صلاتين:

أ) الظهر عند اشتداد الحر.

ب) والعشاء مع عدم المشقة.


- الراجح: أن الأفضل أداء الفجر بغَلَس (وهو الظُّلمة) أول الوقت؛ لقول جابر: (والصبح كان النبي ﷺ يصليها بغَلَس) [الشيخان].


[الدرس الثالث]

- يتعلق بفوات الصلاة المفروضة عدة أحكام:

أ) قضاؤها، إن كان الشخص معذورا، بالإجماع؛ لحديث أنس: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك [الشيخان]، وكذلك غير المعذور عند الجمهور؛ لعموم حديث ابن عباس: (فاقضِ الله، فهو أحق بالقضاء) [الشيخان].

ويرى ابن تيمية وابن عثيمين أن غير المعذور لا يقضي؛ لحديث عائشة: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) [الشيخان].

ب) ويجب قضاء الفوائت (مُرَتّبة)؛ لـ(أن الرسول ﷺلما شغله الكفار عن صلاة العصر حتى غربت الشمس بدأ بالعصر ثم صلى بعدها المغرب) [الشيخان].

ج) ويجب قضاء الفوائت (فورا) عند الجمهور؛ لحديث: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)، والأمر يقتضي الفورية.

د) ويسقط الترتيب بثلاثة أسباب:

١) النسيان، فلو قدم العصر على الظهر ناسيا فقضاؤه صحيح؛ لعموم: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.

٢) ضيق وقت الصلاة الحاضرة، فإنه يقدمها على الفائتة؛ لأنها أوجب وأحق.

٣) الجهل؛ لأن الجهل أخو النسيان في كتاب الله، قال تعالى:  {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وهذه رواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن تيمية.


[الدرس الرابع]

٦) ستر العورة مع القدرة من شروط الصلاة، بالإجماع، بشيء لا يصف البشرة.

والدليل: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، وحديث عائشة: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) [صححه الألباني].


- الناس بالنسبة للعورة في الصلاة (وهي غير عورة النظر) ثلاثة أقسام:

أ) العورة المتوسطة وهي عورة الرجل البالغ عشر سنين فما فوق: ما بين السرة والركبة؛ إذ كما وجب تغطية ذلك خارج الصلاة ففي الصلاة أولى، وهو مذهب الجمهور؛ لحديث: (الفخذ عورة) [علقه البخاري بصيغة التمريض].

ب) العورة المخففة وهي عورة الذكر ما بين سبع سنين إلى عشر:

عورته الفرجان فقط، فيجب سترهما في الصلاة.

ج) العورة المغلظة وهي عورة المرأة في الصلاة: كلها عورة إلا وجهها.

ويرى الجمهور أنها كلها عورة إلا وجهها وكفّيها، ورجحه ابن باز؛ لقول أم سلمة: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: (إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها) [موقوف].


- ستر العورة يكون بشيء لا يصف البشرة، أي: لا يكشف لون الجلد، ولا يضر إن كان محدِّدا للعورة لاصقا بها عند الجمهور.


- المذهب وجوب ستر أحد العاتقين في الصلاة بشيء من اللباس؛ لحديث أبي هريرة: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) [الشيخان].


- المذهب أن الصلاة في ثوب محرم باطلة، سواء كان محرما لكسبه كالمسروق، أو لعينه كالحرير، أو لوصفه كالذي فيه إسبال؛ لأن الصلاة وقعت على وجه منهي عنه.

ويرى الجمهور الصحة مع الإثم؛ لأن التحريم ليس لذات العبادة، بل لأمر خارج (وهو الإسبال مثلا).


[الدرس الخامس]

- شروط الصلاة تسعة:

٣،٢،١) الإسلام، والعقل، والتمييز، وهذه الثلاثة شروط في كل عبادة، إلا التمييز فلا يشترط في الحج؛ لذا يصح حج غير المميز.

٤) الطهارة؛ لحديث أبي هريرة: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) [الشيخان].

٥) دخول الوقت؛ لقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}.

- تفصيل المواقيت:

أ) وقت الظهر:

يبدأ من زوال الشمس بالإجماع؛ لحديث عبد الله بن عمرو: (وقتُ الظهر إذا زالت الشمس) [مسلم]، إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، سوى ظل الزوال، وهذا قول الجمهور.

ب) العصر له وقت اختيار واضطرار:

أما وقت العصر المختار فيبدأ إذا خرج وقت الظهر (حين يصير ظل كل شيء (مثله)، عند الجمهور)؛ لحديث جابر: (وفي اليوم الأول صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله) [صححه الألباني]، ثم ينتهي الوقت الاختياري حين يصير ظل كل شيء (مثليه)، سوى ظل الزوال.

ثم الوقت الاضطراري:

وهو من صيرورة ظل كل شيء مثليه إلى المغرب.

- الفرق بين الوقت الاختياري والاضطراري:

أنه يكره تأخير الصلاة إلى الوقت الاضطراري مع صحتها؛ لحديث: (تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا) [مسلم].

ج) وقت المغرب:

من غروب الشمس بالإجماع؛ لحديث سلمة: (كنا نصلي مع النبي ﷺ المغرب إذا توارت بالحجاب) [الشيخان]، وينتهي بغروب الشفق الأحمر؛ لحديث: (فإذا صليتم المغرب، فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق)، عند الجمهور.

والشفق: هو الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس.

د) وقت العشاء:

يبدأ بغياب الشفق الأحمر؛ لحديث بريدة أن رسول الله ﷺ لم يُصلِّ العشاء إلا بعد أن غاب الشفق [مسلم].

آخره: للعشاء وقت اختيار ووقت ضرورة:

وقت الضرورة يمتد إلى طلوع الفجر، كأن تطهر حائض آخر الليل فيجب أن تصلي العشاء.

ووقت اختيار إلى ثلث الليل؛ لحديث أبي برزة: (كان رسول الله ﷺ يؤخر العشاء إلى ثلث الليل) [الشيخان].

والراجح: أنه إلى نصف الليل؛ لحديث أنس: (أخر النبي ﷺ صلاة العشاء إلى نصف الليل، ثم صلى) [البخاري]، وهو رأي الجمهور.

وحديث أبي برزة (إلى ثلث الليل) لعله كان مراعاة للناس.

هـ) وقت الفجر:

يدخل بطلوع الفجر الصادق بلا خلاف، وينتهي بشروق الشمس عند الجمهور.

 

[الدرس السادس]

- يدرك وقت الصلاة بـ(تكبيرة الإحرام)؛ لحديث عائشة: (من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها) [مسلم].

والراجح: أنه يدرك بإدراك ركعة قبل خروج الوقت، وهو رواية عن الإمام، ومذهب الجمهور؛ لحديث أبي هريرة: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر) [الشيخان].


- لو أدركت امرأة أول وقت الصلاة ثم حاضت باقي الوقت، فهل يجب عليها القضاء إذا طهرت؟

الراجح: لا؛ لأنه (يجوز) لها شرعا تأخير الصلاة ما لم يضق وقتها، وهذا قول مالك، واختيار ابن تيمية.


- المصلي مُخير بين فعل الصلاة في أول وقتها أو آخره؛ لأن وقتها موسع، ما لم يفتْ واجب كصلاة الجماعة، أو يُخْشَ حصول مانع كنزول الحيض، أو دخول وقت الضرورة.


- الصلاة أول الوقت أفضل؛ لأن في ذلك مبادرة إلى فعل الطاعة، وتحصل الفضيلة بالتأهب أول الوقت؛ لأن الاستعداد للصلاة صلاةٌ.

لكن يستحب تأخير صلاتين:

أ) الظهر عند اشتداد الحر.

ب) والعشاء مع عدم المشقة.

 

- الراجح: أن الأفضل أداء الفجر بغَلَس (وهو الظُّلمة) أول الوقت؛ لقول جابر: (والصبح كان النبي ﷺ يصليها بغَلَس) [الشيخان].

 

[الدرس السابع]

- يتعلق بفوات الصلاة المفروضة عدة أحكام:

أ) قضاؤها، إن كان الشخص معذورا، بالإجماع؛ لحديث أنس: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك [الشيخان]، وكذلك غير المعذور عند الجمهور؛ لعموم حديث ابن عباس: (فاقضِ الله، فهو أحق بالقضاء) [الشيخان].

ويرى ابن تيمية وابن عثيمين أن غير المعذور لا يقضي؛ لحديث عائشة: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) [الشيخان].

ب) ويجب قضاء الفوائت (مُرَتّبة)؛ لـ(أن الرسول ﷺلما شغله الكفار عن صلاة العصر حتى غربت الشمس بدأ بالعصر ثم صلى بعدها المغرب) [الشيخان].

ج) ويجب قضاء الفوائت (فورا) عند الجمهور؛ لحديث: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)، والأمر يقتضي الفورية.

د) ويسقط الترتيب بثلاثة أسباب:

١) النسيان، فلو قدم العصر على الظهر ناسيا فقضاؤه صحيح؛ لعموم: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.

٢) ضيق وقت الصلاة الحاضرة، فإنه يقدمها على الفائتة؛ لأنها أوجب وأحق.

٣) الجهل؛ لأن الجهل أخو النسيان في كتاب الله، قال تعالى:  {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وهذه رواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن تيمية.

 

[الدرس الثامن]

٦) ستر العورة مع القدرة من شروط الصلاة، بالإجماع، بشيء لا يصف البشرة.

والدليل: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، وحديث عائشة: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) [صححه الألباني].

 

- الناس بالنسبة للعورة في الصلاة (وهي غير عورة النظر) ثلاثة أقسام:

أ) العورة المتوسطة وهي عورة الرجل البالغ عشر سنين فما فوق: ما بين السرة والركبة؛ إذ كما وجب تغطية ذلك خارج الصلاة ففي الصلاة أولى، وهو مذهب الجمهور؛ لحديث: (الفخذ عورة) [علقه البخاري بصيغة التمريض].

ب) العورة المخففة وهي عورة الذكر ما بين سبع سنين إلى عشر:

عورته الفرجان فقط، فيجب سترهما في الصلاة.

ج) العورة المغلظة وهي عورة المرأة في الصلاة:

كلها عورة إلا وجهها.

ويرى الجمهور أنها كلها عورة إلا وجهها وكفّيها، ورجحه ابن باز، والدليل: (لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار).

 

- ستر العورة يكون بشيء لا يصف البشرة، أي: لا يكشف لون الجلد، ولا يضر إن كان محدِّدا للعورة لاصقا بها عند الجمهور.

 

- المذهب وجوب ستر أحد العاتقين في الصلاة بشيء من اللباس؛ لحديث أبي هريرة: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) [الشيخان].

 

- المذهب أن الصلاة في ثوب محرم باطلة، سواء كان محرما لكسبه كالمسروق، أو لعينه كالحرير، أو لوصفه كالذي فيه إسبال؛ لأن الصلاة وقعت على وجه منهي عنه.

ويرى الجمهور الصحة مع الإثم؛ لأن التحريم ليس لذات العبادة، بل لأمر خارج (وهو الإسبال مثلا).

 

٨) استقبال القبلة مع القدرة بالإجماع؛ لآية: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام}.

 

- هناك أحوال لا يشترط فيها استقبال القبلة:

أ) العاجز عن استقبالها، كالمريض أو المقيد إذا لم يقدر على ذلك؛ لآية: {فاتقوا الله ما استطعتم}.

ب) حال اشتداد الحرب، فيصلي حيث كان وجهه؛ لآية: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}.

ج) النافلة للمسافر السائر، راكبا أو ماشيا على الصحيح؛ تيسيرا على الأمة؛ لحديث ابن عمر: (كان رسول الله ﷺ يسبح على الراحلة قِبل أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة) [الشيخان].

 

- التنفل في السفر له ثلاث أحوال:

أ) أن يكون نازلا غير سائر فيلزمه استقبال القبلة في الفرض والنفل.

ب) أن يكون راكبا فيصح تنفله، ولا يشترط استقبال القبلة؛ للأحاديث الصحيحة، بل لا يشترط استقبالها حتى في تكبيرة الإحرام على الراجح؛ إذ لم يرد عن النبي ﷺ ذلك، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، ورجحه ابن القيم.

ج) أن يكون ماشيا على قدميه، فهذا له حكم الراكب، فلا يستقبل القبلة؛ لعموم أحاديث التنفل في السفر، واختاره ابن تيمية.

 

- يجب تحري القبلة؛ لأنها شرط، ومن تحرَّ وصلى ثم تبين أنه صلى لغير القبلة، فصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه.

 

- يُستدل على القبلة بعدة أمور:

أ) مشاهدتها.

ب) بخبر ثقة.

ج) المحاريب.

د) بالشمس والقمر.

هـ) القطب، وهو نجم معروف.

و) الآلات الحديثة.

 

- القريب من الكعبة ويراها بعينه يجب عليه معاينتها، على المذهب.

فإن كان بعيدا عنها فيكفي التوجه إلى جهتها؛ لآية: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}.

 

- من صلى بغير اجتهاد وتحرٍّ:

فإنه يعيد الصلاة مطلقا على المذهب، ورجح ابن عثيمين عدم الإعادة إن تبين أنه أصاب القبلة.


[الدرس العاشر الأخير]

٩) النية من شروط الصلاة بالإجماع؛ لآية: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}، وحديث عمر: (إنما الأعمال بالنيات) [الشيخان].

- النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة كما ذكر ابن تيمية.

- حقيقة النية:

العزم على فعل الشيء، فمن عزم فقد نوى.

[بل ذكر ابن تيمية أنها العلم الذي يسبق العمل].

- شروط النية ثلاثة:

أ) الإسلام؛ لأن الكافر لا تقبل منه العبادة.

ب) والعقل؛ لأن المجنون لا قصد له.

ج) التمييز؛ لأن غير المميز لا تصح صلاته.

- زمن النية:

قبل البدء بالعبادة، أو قبلها بيسير، والأفضل قرنها بالتكبير.

ولو تقدمت النية على العبادة بوقت طويل فالراجح صحتها كما يرى ابن عثيمين.

- روي عن الإمام أحمد أنه يكفي نية الصلاة، ولا يشترط تعيين نوعها (الظهر أو العصر مثلا)، واختاره ابن عثيمين، خلافا للمذهب.

- اختار ابن تيمية عدم اشتراط نية الإمامة من أول الصلاة -خلافا للمذهب-؛ لأنه ثبت أن النبي ﷺ صلى وحده ثم ائتم به بعض أصحابه أثناء الصلاة، وهو مذهب المالكية والشافعية.

- لكي يحصل للمأموم أجر الجماعة لا بد أن ينوي الائتمام، باتفاق الأئمة الأربعة.

- تصح نية المفارقة لكل من الإمام والمأموم لعذر يبيح ترك الجماعة، وهذا رأي الحنابلة والشافعية، واختيار ابن تيمية؛ لأن معاذا لما أطال الصلاة (انحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف) وفي آخر الحديث (لما علم رسول الله ﷺ بذلك لم ينكر عليه حين علم بعذره) [الشيخان].

- من فارق إمامه حال قراءته للفاتحة فإما أن يستأنفها أو يكملها، فإن كان الإمام قد فرغ منها فلا يعيدها.

- من أحرم بفرض ثم قلبه نفلا قبل السلام صح إن اتسع الوقت، وبعد السلام لا يصح القلب لأنها تمت.

 

(فصل في بيان سنن الصلاة)

[الدرس الأول]

- سُنن الصلاة: أقوال وأفعال، ولا تبطل الصلاة بترك شيء منها ولو عمدا، ويباح السجود لتاركها سهوا.

 

- سنن الأقوال: إحدى عشرة، وهي:

١) دعاء الاستفتاح، وله عدة صيغ منها:

أ) (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) [مسلم: موقوف على عمر].

ب) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) [الشيخان].

ج) (الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا) [مسلم].

د) (الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه) [مسلم].

والسنة التنويع بينها.

 

٢) التعوذ قبل القراءة في الصلاة سنة، عند الجمهور؛ لعموم: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.

 

٣) البسملة من سنن الصلاة، عند الأكثر؛ لحديث أنس: بينا رسول الله ﷺ بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: (أنزلت علي آنفا سورة)؛ فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر} [مسلم].

والسنة الإسرار بها، عند أكثر العلماء، كأبي حنيفة وأحمد.

 

- اتفقوا على أن البسملة بعض آية من سورة النمل، واختلفوا هل هي آية من الفاتحة؟

المذهب واختيار ابن تيمية: أنها ليست من الفاتحة، بل آية مستقلة، كُتبتْ للفصل والتبرك بها.

 

[الدرس الثاني]

٤) التأمين من سنن الصلاة، للإمام والمأمومين؛ لحديث أبي هريرة: (إذا أمّن الإمام فأمنوا) [الشيخان].

والراجح: مشروعية الجهر بالتأمين، وهو مذهب الشافعية والحنابلة؛ لحديث وائل بن حجر: (كان رسول الله ﷺ إذا قرأ {ولا الضالين} قال: (آمين)، ورفع بها صوته) [صححه الألباني].

 

٥) قراءة سورة بعد الفاتحة سنة؛ لأنه هدي نبوي.

 

٦) يسن للإمام الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية عند الجمهور؛ لأن الرسول ﷺ كان يجهر بها، ولو أسر فصلاته صحيحة لكنه خالف السنة.

أما المأموم فيكره له الجهر؛ لأنه مأمور بالإنصات.

وللمنفرد الجهر والإسرار، والأفضل الجهر في الجهرية.

 

٧) يسن للمصلي بعد الرفع من الركوع إذا قال: (ربنا ولك الحمد) أن يقول: (ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) [مسلم].

وقول: (سمع الله لمن حمده) مشروع للإمام والمنفرد دون المأموم؛ لحديث: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد).

 

[الدرس الثالث]

٩،٨) يسن في الصلاة الزيادة على مرة في تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي؛ لوروده عن الصحابة.

 

١٠) الصلاة في التشهد الأخير على آل النبي ﷺ سنة؛ لأنها من مكملات الصلاة على النبي ﷺ، أما الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير فهي ركن على المذهب، والراجح أنها سنة.

 

١١) الدعاء بعد الفراغ من التشهد الأخير وقبل السلام سنة؛ لحديث ابن مسعود أن النبي ﷺ قال في التشهد: (ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو) [الشيخان].

ولعموم هذا النص فللمصلي الدعاء بملاذ الدنيا كالسيارة الحسنة، ونحو ذلك.

 

[الدرس الرابع]

سنن الأفعال، وتسمى الهيئات، وهي كما يلي:

١) رفع اليدين عند التكبير في أربعة مواضع:

أ) عند تكبيرة الإحرام بلا خلاف.

ب) عند الركوع.

ج) عند الرفع منه، ودليل هذه الثلاثة: حديث أبي قلابة أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ثم رفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدّث أن رسول الله ﷺ كان يفعل هكذا [الشيخان].

٤) عند القيام من التشهد الأول؛ لفعل ابن عمر: (كان إذا قام من الركعتين رفع يديه) [البخاري].

 

- رفع اليدين له ثلاث صفات كلها جائزة:

أ) أن يكون الرفع مقارنا للتكبير؛ لحديث ابن عمر: (فرفع يديه حين يكبر) [البخاري].

ب) أن يكون الرفع قبل التكبير؛ لحديث ابن عمر: (رفع يديه...، ثم كبر) [مسلم].

ج) أن يكون التكبير قبل رفع اليدين؛ لحديث مالك بن الحويرث أنه (كبر ثم رفع يديه) [مسلم].

 

- المصلي مخير في رفع يديه إلى فروع أذنيه، أو إلى حذو منكبيه (أي يبلغ بأطراف أصابعه منكبيه)، وكلا الأمرين مروي عن النبي ﷺ، ومال الإمام أحمد إلى الأول لأن رواته أقرب إلى النبي ﷺ وأكثر ملازمة له.

 

[الدرس الخامس]

٢) السنة في القيام قبض اليدين لا إرسالهما، عند الجمهور؛ لقول سهل بن سعد: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي ﷺ [البخاري].

- قبض اليدين له صفتان:

أ) أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى؛ لحديث سهل المتقدم.

ب) أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرُّسغ والساعد؛ لوصف وائل بن حُجر لصلاة النبي ﷺ قال: (ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد) [صححه ابن القيم].

 

- مكان وضع اليدين أثناء القبض:

المصلي مخير بين وضع يديه على صدره، أو تحت سُرّته؛ لأنه لم يثبت في ذلك حديث.

 

٣) يسن للمصلي نظره إلى موضع سجوده؛ لأنه أخشع لقلبه؛ ولقول عائشة: (دخل رسول الله ﷺ الكعبة، ما خَلَفَ بصرُه موضعَ سجوده حتى خرج منها) [منكر].

وعند التشهد: السنة ألا يُجاوز بصره سبابته؛ لحديث ابن عمر، وفيه: (وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام في القبلة، ورمى ببصره إليها، أو نحوها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يصنع) [صححه الألباني].

 

٤) يسن للمصلي تفرقته بين قدميه قائما، فلا يلصق إحدى قدميه بالأخرى حال القيام، ولا يثبت في هذا حديث مرفوع، والأمر واسع.

 

[الدرس السادس]

٥) يسن للمصلي في ركوعه أربعة أمور:

أ) أن يكون ظهره مستويا.

ب) وأن يكون رأسه مساويا لظهره، فلا يخفضه ولا يرفعه عنه.

ج) وأن تكون كفاه على ركبتيه مفرّجتي الأصابع.

د) وأن يجافي يديه عن جنبه ما لم يؤذِ أحدا.

من الأدلة:

حديث أبي حميد في صفة الصلاة النبوية: (وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره) [البخاري].

وحديث عائشة: (وكان إذا ركع لم يُشْخص رأسه، ولم يُصوّبه، ولكن بين ذلك) [مسلم].

 

٦) البداءة في السجود تكون بوضع الأرفق بالمصلي، يبدأ بركبتيه ثم يديه أو العكس؛ لعدم ثبوت أحاديث المسألة، والأولى وضع الركبتين ثم اليدين؛ لوروده عن بعض الصحابة، وهو رأي الجمهور، واختيار شيخ الإسلام.

 

٧) يسن للمصلي أثناء السجود تمكين أعضاء السجود من الأرض، ومباشرتها لمحل السجود، سوى الركبتين فلا يباشر بهما الأرض لأنهما مستورتان بالثياب، ودليل المسألة: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم...).

وصفة السجود المستحبة:

أ) أن يجافي عضديه عن جنبيه؛ لحديث ابن بحينة: (أن رسول ﷺ كان إذا صلى فرّج بين يديه، حتى يبدو بياض إبطيه) [الشيخان]، وهذا لمجافاته عضديه عن جنبيه.

ب) وإقامة قدميه وجعل بُطُون أصابعهما على الأرض مفرّقة؛ لحديث أبي حميد في وصف الصلاة النبوية: (فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة) [البخاري].

ج) ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطةً مضمومة الأصابع؛ لحديث أبي حميد: (أن النبي ﷺ وضع كفيه حذو منكبيه).

د) وتفريقه بين ركبتيه؛ لحديث أبي حميد أيضا: (وإذا سجد فرّج بين فخذيه غير حاملٍ بطنَه على شيء من فخذيه) [أبو داود].

 

[الدرس السابع]

٨) يسن للمصلي رفع يديه أولا قبل ركبتيه في قيامه إلى الركعة؛ لحديث وائل بن حجر: (وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) [ضعفه الألباني، لكن قال الترمذي: العمل عليه].

 

٩) يسن للمصلي إذا نهض من السجود للركعة الثانية ألا يجلس للاستراحة، وأن ينهض على صدور قدميه، ويعتمد بيديه على ركبتيه لا على الأرض؛ لحديث أبي هريرة: (كان النبي ﷺ ينهض في الصلاة على صدور قدميه)، وحديث وائل بن حُجر: (وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذه) [ضعفهما الألباني]، هذا المذهب.

ويرى الشافعية -وهو اختيار ابن باز- استحباب جلسة الاستراحة؛ لحديث مالك بن الحويرث: أنه (رأى النبي ﷺ يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا) [البخاري]، وهذا القول أرجح.

 

١٠) يسن للمصلي الافتراش في الجلسة بين السجدتين وفي التشهد الأول، وهو أن يبسط رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويجعل بُطُون أصابعه على الأرض، وأطرافهما للقبلة؛ لحديث عائشة: (وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى) [مسلم].

 

١١) يسن للمصلي أن يتورك في التشهد الثاني، عند الجمهور؛ لحديث أبي حميد: (فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وجلس متوركا على شقه الأيسر وقعد على مقعدته) [الترمذي: حسن صحيح].

للتورك ثلاث صفات:

أ) أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من الجانب الأيمن، ويجعل مقعدته على الأرض؛ لحديث أبي حميد [البخاري].

ب) أن يفرش القدمين جميعا ويخرجهما من الجانب الأيمن، وتكون مقعدته على الأرض؛ لحديث أبي حميد [أبو داود].

ج) أن يفرش رجله اليمنى ويدخل اليسرى بين فخذه وساقه، ويجعل مقعدته على الأرض؛ لحديث ابن الزبير [مسلم].

 

- لا يشرع التورك إلا في التشهد الثاني في الصلاة، أما إن كان في الصلاة تشهد واحد كالفجر فلا يشرع فيها؛ لحديث عائشة: (وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى) [مسلم]، فدل على أن الأصل الافتراش إلا ما دل عليه الدليل وهو التشهد الثاني، فيشرع له التورك.

 

[الدرس الثامن الأخير]

١٢) يسن للمصلي في وضع اليدين بين السجدتين أن تكونا مبسوطتين؛ لأن النصوص التي فيها ضم الأصابع هي في التشهد.

أما في حال التشهد فالسنة قبض اليد اليمنى لا بسطها؛ لحديث وائل بن حجر: (رأيت النبي ﷺ قد حلّق بالإبهام والوسطى، ورفع التي تليهما يدعو بها في التشهد) [صححه النووي].

ولقبض اليد اليمنى في التشهد صفتان:

أ) أن يضم أصابعه كلها، ويضع إبهامه على الوسطى، ويشير بالسبابة، ويرمي ببصره إليها؛ لحديث ابن عمر: (وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام)، وفي رواية: (وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بالسبابة) [مسلم].

ب) أن يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام والوسطى، ويشير بالسبابة؛ لحديث وائل: (ثم قبض اثنتين من أصابعه، وحلّق حلْقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها) [النسائي].

وهو مخير بين وضع يديه حال التشهد إما على ركبتيه أو فخذيه أو اليمنى على فخذه اليمنى واليسرى على ركبته اليسرى، والأدلة: حديث ابن عمر: (أن رسول الله ﷺ كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى) [مسلم]، وحديث ابن الزبير: (كان رسول الله ﷺ إذا قعد يدعو، وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى) [مسلم]، وحديث ابن الزبير: (ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى) [مسلم].

 

١٣) يسن للمصلي في التشهد أن يشير بالسبابة، أي: يرفع الإصبع من أول التشهد إلى آخره؛ لحديث ابن الزبير: (وأشار بإصبعه) [مسلم] ولم يذكر التحريك.

 

١٤) يسن للمصلي أن يلتفت حال سلامه يميناً وشمالاً في كل تسليمة؛ لحديث سعد: (كنت أرى رسول الله ﷺ يسلم عن يمينه، وعن يساره، حتى أرى بياض خديه) [مسلم].

 

١٥) يسن للمصلي أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، فإن لم ينوِ فسلامه صحيح.

 

١٦) يسن للمصلي أن يبالغ في السلام على الشمال أكثر من اليمين؛ لحديث سعد السابق.

 

(فصل فيما يكره في الصلاة)

(الدرس الأول)

- يُكره للمصلي اقتصاره على الفاتحة في الركعتين الأوليين؛ لمخالفته للسنة.

 

- ويكره تكرار الفاتحة في ركعة واحدة؛ لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ؛ ولأنها تفتح باب الوسوسة، ويجوز على وجه التدبر.

 

- ويكره التفات المصلي برأسه بلا حاجة؛ لحديث عائشة: سألت رسول الله ﷺ عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) [البخاري].

وإن كان لحاجة جاز؛ لحديث سهل بن الحنظلية: (فجعل رسول الله ﷺ يصلي وهو يلتفت إلى الشِّعب) [صححه الألباني].

 

- ويكره للمصلي تغميض عينيه؛ لمخالفته الهدي النبوي؛ لحديث عائشة: (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم؛ فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي) [الشيخان]، فلو كان التغميض مشروعا لفعله ولم تشغله.

وقيل بالجواز إذا لم يستطع الخشوع إلا بذلك.

 

- ويكره للمصلي حمل مُشغل له بلا حاجة؛ لأنه يؤدي للحركة، ويذهب الخشوع.

ويجوز للحاجة كما حمل النبي ﷺ أمامة في صلاته [الشيخان].

 

- ويكره للمصلي افتراش ذراعيه حال السجود؛ لحديث أنس: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب) [الشيخان].

 

- ويكره للمصلي العبث في صلاته؛ لمنافاته الخشوع.

 

- ويكره للمصلي التخصر (وهو وضع اليد على الخاصرة)؛ لحديث أبي هريرة: (نهى النبي ﷺ أن يصلي الرجل مختصرا) [الشيخان]؛ والعلة كما قالت عائشة: (إن اليهود تفعله) [البخاري].

 

- ويكره للمصلي التمطي (وهو التمدد والتمغط)؛ لأنه عبث.

 

- ويكره للمصلي فتح فمه ووضعه فيه شيئا؛ لأنه عبث.

 

- ويكره للمصلي استقبال صورة؛ لأن فيه تشبها بعباد الأوثان، وصلاته صحيحة.

 

- ويكره للمصلي استقبال وجه آدمي أثناء الصلاة؛ لأنه يشغله، وقد يضحكه.

 

- ويكره للمصلي استقبال متحدث ونائم؛ لحديث: (لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث) [الخطابي: لا يصح].

والصواب الجواز؛ لحديث عتبان: أن النبي ﷺ (صلى والصحابة يتحدثون بين يديه) [مسلم].

 

- ويكره للمصلي استقبال نار؛ لأن فيه تشبها بالمجوس.

وكل ما يلهي المصلي ويشغله فاستقباله مكروه.


(الدرس الثاني الأخير)

- ويكره للمصلي مس الحصى وتسوية التراب بلا عذر، عند الجماهير؛ لحديث أبي ذَر: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى؛ فإن الرحمة تواجهه) [حسنه الترمذي].

ويجوز بعذر مرة واحدة؛ لحديث معيقيب أن النبي ﷺ قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: (إن كنت فاعلا فواحدة) [الشيخان].

 

- ويكره للمصلي التروح بالمروحة اليدوية؛ لأنه عبث، إلا لحاجة كشدة الحر فلا بأس.

 

- ويكره للمصلي فرقعة أصابعه وتشبيكها؛ لحديث كعب بن عجرة: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا إلى المسجد، فلا يشبكن بين أصابعه؛ فإنه في صلاة) [أبو داود].

ويجوز تشبيكها بعد الصلاة؛ لأن الصلاة فرغت.

 

- ويكره للمصلي مس لحيته؛ لأنه عبث.

 

- ويكره للمصلي كف ثوبه، أي: طيه وجمعه؛ لحديث: (ولا نكفت الثياب ولا الشعر) [الشيخان].

والحكمة: لأن ثوبه يسجد معه كما يقول ابن مسعود [ابن أبي شيبة].

ومتى كثرت الحركة بطلت الصلاة؛ لأنها تخرج الصلاة عن هيئتها.

 

- ويكره للمصلي أن يخص جبهته بما يسجد عليه؛ لأنه شعار الرافضة، إلا لعذر؛ لقول أنس: (فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود).

 

- ويكره للمصلي أن يمسح في صلاته أثر سجوده، ولا يكره بعد الصلاة.

 

- ويكره للمصلي أن يستند بلا حاجة؛ لأنه يزيل مشقة القيام.

فإن استند بحيث يقع لو أُزيل ما استند إليه بطلت صلاته إن كانت فريضة؛ لأنه أخل بركن من أركان الصلاة (وهو القيام مع القدرة عليه) إن كان بغير حاجة.

 

- ويكره للمصلي قوله: الحمد لله، إذا عطس، أو وجد ما يسره، ويكره استرجاعه إذا وجد ما يغمه، ونحو ذلك؛ خروجا من خلاف من أبطل الصلاة بذلك.

 

- ويكره للمصلي أن يصلي وهو حاقن أو بحضرة طعام؛ لحديث عائشة: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) [مسلم].

 

(فصل مبطلات الصلاة)

(الدرس الأول)

١) كل ناقض للطهارة أثناء الصلاة فهو مبطل للصلاة، فخروج الريح أثناء الصلاة يبطلها؛ لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة.

 

٢) كشف العورة عمدا يبطل الصلاة؛ لأن ستر العورة شرط لصحة الصلاة.

ولا تبطل فيما لو كشف العورة نحو ريح فسترها في الحال؛ لأن الواجبات تسقط بالعجز.

وكذا لا تبطل إذا لم يسترها في الحال إذا كان المكشوف لا يفحش في النظر؛ لحديث عمرو بن سلمة: (وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم) أي: مقعدته [البخاري].

 

٣) استدبار القبلة من غير عذر يبطل الصلاة؛ لأن استقبالها شرط لصحة الصلاة.

واستقبال القبلة يسقط في حال العجز، والمرض، والضرورة، وفي النافلة للمسافر.

 

٤) اتصال النجاسة بالمصلي تبطل الصلاة إن لم يُزلها في الحال؛ لأن إزالة النجاسة شرط لصحة الصلاة.

 

٥) العمل الكثير عادةً إذا كان من غير جنس الصلاة (كالمشي) ولغير ضرورة فإنه يبطل الصلاة.

واختار ابن عثيمين عدم بطلانها بالعمل الكثير إذا كان ناسيا.

 

٦) الاستناد قويا لغير عذر، بحيث لو أُزيل لسقط، يبطل الصلاة؛ لأن القيام ركن، وهذا لا يصدق عليه أنه أتى بالقيام الواجب.

 

(الدرس الثاني)

٧) رجوع المصلي للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة يبطل الصلاة، إذا كان المصلي عالما ذاكرا؛ لحديث: (فإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو)، فإن كان جاهلا أو ساهيا فلا تبطل.

 

٨) تعمد زيادة ركن فعلي كسجدة يبطل الصلاة. أما تعمد الزيادة القولية كأن يكبر مرتين فلا يبطلها؛ لأنه أحيانا للتأكيد، أو الوسوسة، ولا يغير هيئة الصلاة، لكنه غير مشروع.

 

٩) تعمد تقديم بعض الأركان على بعض، كتقديم السجود على الركوع، يبطل الصلاة؛ لأن الترتيب ركن.

 

١٠) تعمد السلام قبل إتمام الصلاة يبطلها؛ لأنه خلاف الهدي النبوي؛ وأتى بكلام زائد داخلها.

 

١١) تعمد إحالة المعنى في قراءة الفاتحة يبطل الصلاة؛ لأنها ركن.

 

١٢) وجود سُترة بعيدة وهو عُريان يبطل الصلاة؛ لأن ستر العورة شرط لصحة الصلاة، ويلزمه الإتيان بها لكن ذلك يتطلب عملا كثيرا يغير هيئة الصلاة، فإن كانت السترة قريبة وهو في الصلاة فإنه يأخذها ولا يقطع الصلاة.

 

(الدرس الثالث)

١٥،١٤،١٣) لو فسخ المصلي نيته لبطلت صلاته؛ لأن النية شرط، واستصحابها شرط، وكذا لو عزم على فسخها بطلت صلاته أيضا؛ لأنه خرج من العبادة.

أما لو تردد في فسخها فالأقرب عدم بطلان الصلاة؛ لأن الأصل بقاء النية، والتردد لا ينافي وجودها.

 

١٦) إذا شك المصلي هل نوى فعمل مع الشك عملا بطلت صلاته، ويلزمه الاستئناف ليتيقن وجود النية. ولا ينبغي الالتفات للشك إن كان بعد الفراغ من العبادة، أو كان مجرد وهم، أو من شخص كثير الشك، فهذه وسوسة.

 

١٧) الدعاء بملاذ الدنيا يبطل الصلاة على المذهب، والراجح: أنه جائز؛ لأن الرسول ﷺ قال بعد التشهد: (ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) [الشيخان].

 

١٨) الإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله يبطل الصلاة؛ لأنه كلام للآدميين، ولو بصيغة دعاء مثل: رحمـ(ك) الله يا أبي.

والراجح: أنها لا تبطل بذلك؛ لأن الرسول ﷺاستعاذ من الشيطان داخل الصلاة فقال: (أعوذ بالله منك، ثم قال: ألعنك بلعنة الله، ثلاثا) [مسلم].

 

١٩) لو ضحك المصلي أو قهقه بطلت صلاته؛ لأنه ينافي الخشوع وهيئة الصلاة، وأما التبسم فلا يبطلها.

 

(الدرس الرابع الأخير)

٢٠) الكلام داخل الصلاة يبطلها مطلقا، على المذهب، والأقرب: أنه يبطلها إذا كان عالما ذاكرا بلا موجب؛ لحديث معاوية بن الحكم السلمي: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) [مسلم].

أما الجاهل بالحرمة، والناسي أنه في صلاة، ونحو ذلك فلا تبطل؛ لأن معاوية بن الحكم تكلم في الصلاة جاهلا ولم يبطلها الرسول ﷺ، وهذا رأي ابن تيمية.

 

٢١) تقدم المأموم على إمامه يبطل صلاته عند الجمهور؛ لحديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، ويستثنى عند الكعبة، فيجوز التقدم إن كان في غير جهة الإمام.

 

٢٢) تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، على المذهب، والأقرب: أنها لا تبطل، بل يشرع للإمام الاستخلاف؛ لحديث أبي هريرة: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم) [البخاري].

 

٢٣) تبطل صلاة المأموم لو سلّم قبل إمامه عمدا، أو سهوا ولم يُعد السلام.

 

٢٤) تبطل الصلاة بالأكل والشرب فيها، إلا للجاهل والناسي فلا تبطل إن كان يسيرا عرفا؛ لأن المحظورات يعذر فيها بالجهل والنسيان.

ولا تبطل إن بلع ما بين أسنانه بلا مضغ؛ لأنه لا يسمى أكلا، ولا يمكن التحرز منه.

 

٢٥) تبطل الصلاة بالتنحنح والنفخ بلا حاجة إذا بان منه حرفان، على المذهب؛ لأن الحرفين كلمة؛ لحديث أم سلمة: (من نفخ في الصلاة فقد تكلم) [ضعيف]، والأقرب: أنها لا تبطل؛ لأن النحنحة لا تسمى كلاما.

 

٢٦) تبطل الصلاة بالنحيب إذا لم يكن خشية لله، مثل: شخص ينتحب على مصيبة، والأقرب: أنها لا تبطل؛ لأنه ليس كلاما ولا في معناه، وهذا مذهب مالك، واختيار ابن تيمية.

وما يغلب على المصلي من بكاء وعطاس وتثاؤب فلا يبطل الصلاة إذا حصل من غير قصد، عند الجمهور.

 

(باب سجود السهو)

(الدرس الأول)

- جوابر النقص في الصلاة:

سجود السهو، والذكر بعد الصلاة، وصلاة التطوع.

 

- السهو: ذهول القلب عن معلوم، فإذا ذهل المصلي فزاد في صلاته أو نقص أو شك فيشرع في حقه سجود السهو.

 

- سجود السهو مشروع لثلاثة أسباب:

أ) الزيادة في الصلاة: كزيادة ركعة ونحوها؛ فإن الرسول ﷺ لما قام إلى ركعة خامسة سجد للسهو [الشيخان].

والمذهب: أن سجود السهو للزيادة القولية مسنون، وللزيادة الفعلية واجب.

ب) النقص في الصلاة: كما لو أنقص واجبا مثل: لو نسي التشهد الأول فيسجد للسهو؛ لحديث ابن بحينة: (أن النبي ﷺ صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس، فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبّر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم) [الشيخان]، فإن كان نسي ركنا فلا بد أن يأتي به ويسجد للسهو؛ لحديث ذي اليدين [الشيخان].

ج) الشك، إذا تردد أثناء الصلاة فلم يدرِ هل جاء بهذا الواجب أم لا؟ لحديث: (إذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين).

 

- حكم سجود السهو:

واجب؛ لأن الرسول ﷺ أمر به، وهو بدل النقص، ومن تعمد تركه بطلت صلاته؛ لأنه أخل بواجب، وهذا رأي الجمهور، واختيار ابن تيمية.

ومن تركه سهوا فلا تبطل صلاته.

 

- يسقط سجود السهو بواحد من ثلاث، عند الجمهور، وهي:

أن يطول الفصل عرفا، أو ينتقض وضوؤه، أو يخرج من المسجد، وعند ابن تيمية: لا يسقط سجود السهو مطلقا؛ لأن التحديد بالزمان والمكان لا أصل له.


(الدرس الثاني)

- ذهب الإمام أحمد إلى أن سجود السهو كله قبل السلام إلا المواضع التي ثبت أن الرسول ﷺ سجدها بعد السلام فإنها بعد السلام؛ لأن سجود السهو من تمام الصلاة وجبر لنقصانها؛ فناسب كونه داخلها كسائر أفعالها، واختاره ابن باز. 

والمواضع التي سجدها ﷺ بعد السلام ثلاث:

أ) إذا سلّم من ركعتين في الرباعية؛ لقصة ذي اليدين [الشيخان].

ب) أن يزيد ركعة في الصلاة؛ لحديث ابن مسعود: أن رسول الله ﷺ صلى خمسا فسجد للسهو بعد السلام [البخاري].

ج) إذا شك في صلاته، فلم يدرِ كم صلى، ثم تحرى الصواب، فإنه يسجد للسهو بعد السلام؛ لحديث: (إذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين).

أما إن بنى على اليقين (أي: أخذ بالأقل) فالسجود قبل السلام؛ لحديث: (ذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدرِ كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم).


- إذا كان السجود بعد السلام فيجب أن يتشهد له على المذهب؛ لحديث عمران: (أن النبي ﷺ صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم) [شاذ].

والراجح: أنه لا يجب التشهد بعد سجود السهو؛ لأنه لا يصح فيه حديث، كما قال ابن المنذر.


(الدرس الثالث الأخير)

- إذا سها الإمام ثم سجد للسهو، فله حالان:

أ) أن يكون سجوده قبل السلام، فيجب على المأموم متابعته، أدرك معه السهو أم لا؛ لعموم حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به،... وإذا سجد فاسجدوا).

ب) أن يكون سجوده بعد السلام، فللمأموم حالان:

إن كان غير مسبوق فيجب عليه المتابعة في سجود السهو؛ لأن هذا من تمام الصلاة.

وإن كان مسبوقا وعليه قضاء، فالأولى أن يتابع إمامه بالسجود أيضا، ثم يقوم فيقضي.

فإن قام للقضاء ثم سجد إمامه، فإن كان سجود إمامه قبل انتصابه رجع، وإن انتصب قائما لم يرجع، ثم يسجد للسهو؛ وأُلحق هذا بالقيام عن التشهد الأول؛ لأن كليهما واجب، وهذا رأي الإمام أحمد.


- إذا سها المأموم في صلاته فله حالان:

أ) أن يكون دخل مع الإمام من أول الصلاة، فإن الإمام يتحمل عنه ذلك؛ لأنه متابع لإمامه، وهذا قول عامة العلماء.

ب) أن يكون المأموم مسبوقا وسها فيما لم يدرك إمامه بها، فإنه يسجد للسهو.


- إن لم يسجد الإمام للسهو، فعلى المأموم أن يسجد؛ لأن صلاته ناقصة بسهو الإمام ولم تُجبر بسجود السهو، عند الجمهور.


- من زاد ركعة رجع عنها متى ذكر في أي حال كان، فإن ذكر بعد تمامها فإنه يسجد للسهو بعد السلام.


- من ترك التشهد الأول ناسيا فله ثلاث أحوال:

أ) أن يذكره قبل أن يستتم قائما، فإنه يرجع ويأتي به، ويسجد للسهو آخر الصلاة.

ب) ألا يذكره إلا بعد أن يستتم قائما، فهذا يكره له أن يرجع للتشهد الأول، عند الأئمة الأربعة؛ لحديث: (إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس، فإذا استتم قائما فلا يجلس، ويسجد سجدتي سهو)، ويلزم المأموم متابعته في الاستمرار.

ج) أن يذكره بعد الشروع في القراءة، فلا يجوز له الرجوع؛ لأنه تلبس بالركن الذي يليه.


- من شك في ركن أو عدد ركعات في الصلاة بنى على اليقين وهو الأقل، ويسجد للسهو قبل السلام. إلا إن ترجح عنده أحد الاحتمالين بغلبة الظن فإنه يأخذ به، ثم يسجد للسهو؛ لحديث: (إذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين).


- الشك في العبادة لا يؤثر في ثلاثة مواضع:

أ) إن كان مجرد وهم.

ب) إن كان الإنسان شكاكا؛ لأنه وسوسة.

ج) بعد الفراغ من العبادة؛ لأن الأصل وقوع العبادة تامة.


(باب صلاة التطوع)

(الدرس الأول)

- صلاة التطوع هي أفضل العبادات بعد العلم والجهاد، قال تعالى: {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة}، ثم العلم، ثم الصلاة؛ لحديث: (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) [صححه الألباني].


- أفضل صلاة التطوع:

ما سُنّ جماعة؛ لأنه أشبه بالفرائض.

وآكد صلوات التطوع:

أ) الكسوف؛ لأن النبي ﷺ فعلها، وأمر بها.

ب) ثم الاستسقاء؛ لأنه ﷺ كان يستسقي تارة، ويترك أخرى.

ج) ثم التراويح؛ لأنها تسن لها الجماعة.

د) ثم الوتر؛ لأنه تشرع له الجماعة بعد التراويح، وهو سنة مؤكدة، وأقله ركعة؛ لحديث ابن عمر: (الوتر ركعة من آخر الليل) [مسلم]، وأكثره إحدى عشرة ركعة؛ لحديث عائشة: (كان رسول الله ﷺ يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منهن بواحدة) [مسلم].

وأدنى الكمال ثلاث بسلامين؛ لأنه أكثر عملا.

ووقت الوتر: ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر.

ويقنت في الوتر بعد الركوع، ولو قنت قبل الركوع جاز.

والقنوت في غير الوتر مكروه، إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة.


(الدرس الثاني)

- أفضل الرواتب:

سنة الفجر، ثم المغرب، ثم البقية سواء. أما الفجر فلحديث عائشة: (لم يكن النبي ﷺ على شيء من النوافل أشد منه تعاهدا على ركعتي الفجر) [الشيخان]، وحديثها الآخر: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) [الشيخان].

ثم المغرب لأنها ورد فيها أمر خاص بها، عن عبيد مولى النبي ﷺ قال: سئل: أكان رسول الله ﷺ يأمر بصلاة بعد المكتوبة، أو سوى المكتوبة؟ قال: نعم بين المغرب والعشاء) [ضعيف].


- عدد السنن الرواتب:

عشر على المذهب؛ لحديث ابن عمر: (حفظت من النبي ﷺ عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح) [الشيخان]، وقيل: اثنتا عشرة ركعة؛ لحديث أم حبيبة: (ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة، إلا بنى الله له بيتا في الجنة، أو إلا بُني له بيت في الجنة) [مسلم]. والأخذ بالأكمل أكمل.

وهذه السنن الرواتب: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر [صححه الترمذي].


- إذا ترك الإنسان الرواتب والوتر حتى ذهب وقتها، فله حالان:

أ) تركها تفريطا بلا عذر، فلا يشرع له القضاء؛ لأنها سنة فات محلها.

ب) أو لعذر كنسيان، أو نوم، فيشرع له القضاء؛ لحديث أبي سعيد: (من نام عن وتره، أو نسيه، فليصله إذا ذكره) [صححه الألباني].

أما الرواتب فتقضى ولو في وقت النهي؛ كما فعل النبي ﷺ لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس قضى الراتبة قبل الصلاة [مسلم].


- الأفضل فعل النوافل في البيت؛ لأنه الهدي النبوي؛ ولحديث ابن عمر: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا) [الشيخان].

- يُسن الفصل بين الفرض وسنته بقيام أو كلام؛ لحديث معاوية: (إن رسول الله ﷺ أمرنا بذلك، ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج) [مسلم].


(الدرس الثالث)

- التراويح سنها رسول الله ﷺ، قال: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).

والتراويح عشرون ركعة عند الجماهير، وقيل: ست وثلاثون. ولا تشديد في المسألة لعدم التوقيف، والأفضل الاقتصار على الهدي النبوي، قالت عائشة: (ما كان رسول الله ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) [الشيخان]، ولو زاد فلا بأس؛ لعدم ورود نهي عن ذلك، وهذا رأي ابن تيمية.

ووقت التراويح: ما بين العشاء والوتر.


(الدرس الرابع)

- صلاة الليل أفضل من صلاة النهار؛ لحديث أبي هريرة: (أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة: الصلاة في جوف الليل) [مسلم].

والنصف الأخير من الليل أفضل من الأول؛ لحديث جابر: (من طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل) [مسلم].

وناشئة الليل في آية: {إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا}، هي قيام الليل، كما قال ابن عباس، والمقصود: أن قيام الليل أشد مواطأة بين القلب واللسان.

أما التهجد فهو ما كان بعد النوم بعد العشاء، كما هو المعروف في لغة العرب.


- قيام الليل مسنون؛ لأدلة كثيرة، منها: {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون}.

ويسن افتتاح قيام الليل بركعتين خفيفتين قراءةً وركوعاً وسجوداً؛ لحديث عائشة: (كان رسول الله ﷺ إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين) [مسلم].

ويسن إذا أراد النوم أن ينوي القيام ليعان عليه، ويكتب له أجر نيته.


- يصح التطوع بركعة، وهو الوتر؛ لحديث: (الوتر ركعة من آخر الليل).

أما في النهار فالأحوط عدم ذلك؛ لأنه لم ينقل عن السلف.


- صلاة النافلة قعودا جائز حتى للقادر على القيام بالإجماع؛ لحديث عمران بن حصين: (ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم) [البخاري].

والمعذور له الأجر كاملا كما يرى ابن حزم.


- كثرة السجود والركوع أفضل من طول القيام؛ لحديث ثوبان: (عليك بكثرة السجود لله) [مسلم]، لكن جاء في حديث جابر: (أفضل الصلاة طول القنوت) [مسلم]، فيبحث المصلي عن الأصلح لقلبه.


(الدرس الخامس)

- صلاة الضحى سنة مؤكدة؛ لحديث أبي هريرة: (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر).

وهي تسن غبّاً؛ أي: لا يداوم عليها؛ لحديث أبي سعيد: (كان رسول ﷺ يصلي الضحى حتى نقول: لا يدعها، ويدعها حتى نقول: لا يصليها) [ضعيف].

وقيل: تسن لمن لا يقوم الليل، واختاره ابن تيمية وتلميذه.

وقيل: تسن مطلقا، واختاره ابن باز وابن عثيمين؛ لأن عدم مداومة النبي ﷺ لا يدل على عدم المشروعية.



- أقل حد لصلاة الضحى:

ركعتان؛ لحديث أبي ذَر: (ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى).

وأكثرها ثمان على المذهب؛ لحديث أم هانئ: (أن النبي ﷺ دخل بيتها يوم فتح مكة، فصلى ثماني ركعات) [الشيخان].

وقيل: لا بأس بالزيادة؛ لقول عائشة: (كان رسول الله ﷺ يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء الله) ولم تقيده بعدد.



- وقت صلاة الضحى:

من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال، وفي حديث عمرو بن عبسة: (صَلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحيئنذ يسجد لها الكفار، ثم صَلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة؛ فإن حينئذ تسجر جهنم) [مسلم].


(الدرس السادس)

- تحية المسجد سنة مؤكدة عند الجمهور؛ فيسن لداخل المسجد ألا يجلس حتى يصلي ركعتين تحيةً للمسجد؛ لحديث أبي قتادة: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) [الشيخان].

- الصحيح جواز فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، فالصلاة إذا قام سببها تصلى حتى في وقت النهي؛ لأدلة منها: حديث جبير بن مطعم: (يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار) [الترمذي: حسن صحيح].

- من ترك تحية المسجد ناسيا أو جاهلا ولم يطل الفصل شرع له تداركها؛ لأن سليكاً الغطفاني جاء يوم الجمعة والرسول ﷺ يخطب فجلس، فقال له: (يا سليك قم فاركع ركعتين، وتجوّز فيهما) [الشيخان].

- تحية المسجد تشرع ولو تكرر الخروج إذا طال الفصل، إلا إن كان الإنسان هو قيم المسجد وخادمه فلا يكررها للمشقة بذلك، وكذا إن كان الفاصل قريبا، وهذا رأي ابن تيمية.

- من دخل المسجد ولم يرد الجلوس فلا يؤمر بتحية المسجد؛ لأن الأمر بها لمن أراد الجلوس.

- تحية المسجد مشروعة في المسجد دون المصلى؛ لأن الصحابة ما كانوا يصلونها في مصلى العيد.

- الصلاة عقب الوضوء سنة مؤكدة في أي وقت؛ لحديث عثمان: (من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه) [الشيخان].

- إحياء ما بين العشاءين بالصلاة سنة؛ لتفسير أنس لآية: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} أنها (نزلت في أناس من أصحاب النبي ﷺ كانوا يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء) [صححه الألباني].


(فصل في سجود التلاوة)

(الدرس السابع)

أدخل الفقهاء سجود التلاوة في صلاة التطوع؛ لأنهم يرون أنها صلاة كسائر الصلوات لها أركان وشروط وواجبات.


- سجود التلاوة سنة مؤكدة عند الجمهور؛ لحديث أبي هريرة: (سجدنا مع رسول الله ﷺ في {إذا السماء انشقت}، و{اقرأ باسمك ربك}) [مسلم].

وليس سجود التلاوة واجبا كما يرى أبو حنيفة، بل يسن كما عند الجمهور؛ لقول عمر: (يا أيها الناس إنا نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر) [البخاري]، وأقره الصحابة على ذلك.

وأما قوله: {فما لهم لا يؤمنون* وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون} أي: لا يسجدون استكبارا.


- سجود التلاوة بعد قراءة السجدة مباشرة، فإن طال الفصل فلا تسن؛ لأنها سنة فات محلها.


- سجود التلاوة مشروع للقارئ والمستمع؛ لقول ابن عمر: (كان النبي ﷺ يقرأ السجدة ونحن عنده، فيسجد ونسجد معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعا يسجد عليه) [الشيخان].

وأما السامع غير القاصد للسماع فلا يشرع في حقه سجود التلاوة؛ لقول عثمان: (إنما السجود على من استمع)، وهذا مذهب مالك وأحمد.


- المذهب: أن سجود التلاوة كصلاة النافلة من حيث الشروط، كالطهارة، وستر العورة، والنية، واستقبال القبلة، عند جمهور العلماء؛ لعموم: (لا تقبل صلاة بغير طهور).

ويرى كثير من السلف أنه لا يشترط ذلك وهو الأقرب؛ لعدم الدليل الصريح على الاشتراط، ولوجود الفارق بين سجود التلاوة والصلاة فلا يصح القياس، وهذا رأي ابن تيمية.


- التكبير في سجود التلاوة له حالان:

أ) داخل الصلاة، فيشرع التكبير عند الخفض والرفع باتفاق الأئمة الأربعة؛ لعموم حديث أبي هريرة: (كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض، ورفع، وقال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ) [الشيخان].

ب) أو خارج الصلاة، فإنه يكبر عند الخفض والرفع أيضا على المذهب؛ لحديث ابن عمر: (كان رسول الله ﷺ  يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجود كبر، وسجد، وسجدنا معه) [ضعفه الألباني].


- يشرع السلام بعد سجود التلاوة كصلاة النافلة على المذهب، والأقرب أنه لا يشرع؛ لأنه لم ينقل.

وكذلك التشهد غير مشروع لأنه لم ينقل.


- ليس للمأموم أن يسجد لقراءة نفسه، أو قراءة غير إمامه، فإن كان متعمدا ذاكرا بطلت صلاته؛ لمخالفته لإمامه، وفي حديث أبي هريرة: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) [الشيخان].


- إذا سجد الإمام للتلاوة في الصلاة الجهرية لزم المأموم متابعته، ويحرم التخلف عنه.

أما في السرية فالمأموم مخير بين متابعته وعدمها؛ لأنه لا يسن للإمام قراءة آية فيها سجدة في السرية، هذا المذهب.

والراجح: وجوب المتابعة مطلقا؛ لعموم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، واختاره ابن قدامة.


- المذهب: أن لسجود التلاوة أحكام صلاة النافلة فلا يصح خلف المرأة،... والأقرب: أنه ليس له أحكام الصلاة، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي.


- إذا لم يسجد القارئ فلا يشرع للمستمع السجود؛ لأنه تبع للقارئ.


- المشروع من الأذكار في سجود التلاوة:

لم يصح في الباب شيء فلا يشرع ذكر معين.


- سجود الشكر مستحب عند تجدد النعم، واندفاع النقم، وهذا مذهب الشافعي، وأحمد؛ لأنه ﷺ: (إذا جاءه أمر سرور، أو بشر به خر ساجدا شاكرا لله) [حسنه الألباني].

- من سجد للشكر أثناء الصلاة عالما ذاكرا بطلت صلاته؛ لأن سبب السجود ليس منها.

- صفة سجود الشكر وأحكامه كسجود التلاوة.


(الدرس الثامن) 

(فصل في أوقات النهي)

- الأصل أن صلاة التطوع مشروعة في كل وقت؛ لعموم: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.

لكنها غير مشروعة في أوقات النهي، وهي:

أ) من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح؛ لحديث أبي سعيد الخدري: (لا صلاة بعد الصبح حتى (ترتفع) الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى (تغيب) الشمس) [الشيخان]؛ وحديث عقبة بن عامر: (ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع،...) [مسلم].

والراجح: أن وقت النهي يبدأ من بعد طلوع الفجر، ويستثنى ركعتا الفجر، وليس من بعد صلاة الصبح، وهو قول الجمهور؛ للحديث المتقدم: (لا صلاة بعد الصبح).

- الحكمة من النهي:

لأن الشمس تطلع بين قرني شيطان، إذا أرادت الخروج حاذاها الشيطان بقرنه، فإذا ارتفعت قارنها [أخرجه مالك]، قال ابن تيمية: (القرنان جانبا رأسه).


ب) وقت الاستواء، فلا يجوز النفل من قيام الشمس في كبد السماء حتى تزول؛ لحديث عقبة بن عامر المتقدم، وفيه: (وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس).

- يستثنى من هذا النهي يوم الجمعة، فيجوز النفل فيه حال قيام الشمس في كبد السماء، وهذا رأي الشافعي، وابن تيمية؛ لحديث: (من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام) [مسلم]، فالنبي ﷺ جعل غاية الصلاة دخول الإمام، وهو لا يخرج إلا بعد الزوال غالبا.


ج) ومن بعد (صلاة) العصر إلى غروب الشمس؛ لحديث عمر: (أن النبي ﷺ نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب) [الشيخان].


- المذهب: أنه لا يستثنى من أوقات النهي إلا ما استثناه النص (والمستثنى نصا: ركعتا الطواف، وسنة الظهر البعدية إذا جمعها مع العصر، وإعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد، وقضاء الفرائض، وفعل المنذورة).

والأظهر أن كل ذوات الأسباب يجوز فعلها في وقت النهي؛ تخصيصا للعمومات بالأدلة الخاصة، وهذا مذهب الشافعي، ورأي ابن تيمية.


(باب صلاة الجماعة)

(الدرس الأول)

- أجمع أهل السنة على مشروعية صلاة الجماعة، وذكروها في كتب الاعتقاد لأن الرافضة خالفوا فيها؛ لأنهم يرون أنها لا تصلى إلا خلف المعصوم!

- اتفق العلماء على أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ؛ لحديث أبي هريرة: (تفضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة) [الشيخان].


- صلاة الجماعة واجبة على الأعيان على (الرجال القادرين الأحرار) في الحضر والسفر، والجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة، بل تصح الصلاة بدونها مع الإثم.

ويرى الشافعية أنها فرض كفاية.

ويرى الحنفية أنها سنة مؤكدة.

والصواب أن صلاة الجماعة فرض عين؛ للأدلة التالية:

أ) أن الله سبحانه أمر بها حتى في حال الخوف والحرب {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك}.

فلو كانت الجماعة سنة لكان الخوف والقتال عذرا لسقوطها، ولو كانت فرض كفاية لكانت الجماعة الأولى تكفي عن الجماعة الثانية.

ب) أن الرسول ﷺ لم يرخص للأعمى بعيد الدار في التخلف عنها، قال أبو هريرة: أتى النبي ﷺ رجل أعمى، فقال: يا رسول الله! إني ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله ﷺ أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: (هل تسمع النداء بالصلاة؟) قال: نعم، قال: (فأجب) [مسلم].


- العبد لا تجب عليه الجماعة تخفيفا عليه لحق سيده، فإن لم يلحقه منه أذى فالأصل مساواته بالحر في العبادات البدنية المحضة.


- الجماعة واجبة حضرا وسفرا؛ لعمومات الأدلة، لكنّ المسافرين إن كانوا جماعة فيخفف لهم في الصلاة في رحالهم ولا يلزمهم المجيء لمسجد الجماعة؛ لحديث يزيد بن الأسود: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم؛ فإنها لكما نافلة) [صححه الترمذي].


- أقل الجماعة: إمام ومأموم، بالإجماع؛ لقوله ﷺ لمالك بن الحويرث وصاحبه: (إذا أنتما خرجتما فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما) [الشيخان].

وتنعقد أيضا بالأنثى إذا كانت مَحْرما عند الخلوة؛ لأن ما ثبت في حق الذكر يثبت في حق الأنثى إلا لدليل.


(الدرس الثاني)

- صلاة الجماعة لا تنعقد بالصبي على المذهب، ولا تصح مصافته في الفريضة دون النافلة.

والراجح: أن الجماعة تنعقد بِالصَّبِي المميز، وتصح مصافته في الفرض والنفل؛ لأن عمرو بن سلمة أم قومه وهو ابن ست أو سبع سنين [البخاري]، ومن صحت إمامته صحت مصافته من باب أولى، كما أن ابن عباس صاف النبي ﷺ لما بات عند خالته ميمونة [الشيخان].


- تسن صلاة الجماعة في المسجد، ويجوز كون الجماعة في البيت بلا عذر على المذهب.

والراجح: وجوبها في المسجد إلا لعذر كالمرض والخوف؛ لحديث: (ثم أنطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم).


- يسن للنساء أن يصلين الجماعة منعزلات عن الرجال؛ أي: تكون الجماعة نساء والإمام امرأة؛ لأن عائشة وأم سلمة (أمّتا النساء، وقامتا بينهن في صلاة مكتوبة) [عبد الرزاق]. لكن لا ينبغي الاعتياد على ذلك؛ لأنه لم يكن مشهورا عند نساء الصحابة.

وإذا أمت المرأة النساء قامت وسطهن؛ لأنها يستحب لها التستر، فإن صلت بين أيديهن خالفت السنة، وصحت صلاتها.

أما صلاة النساء خلف الإمام في المسجد فمشروع؛ لحديث ابن عمر: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) [الشيخان].



- إذا كان المسجد له إمام راتب فهو الأحق بالإمامة، فلا يجوز الافتئات عليه من غير إذنه؛ لأنه الأحق بالإمامة؛ لحديث أبي مسعود الأنصاري: (ولا يَؤمّن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) [مسلم].

والإمام الراتب: هو المولى من السلطان أو نائبه، أو الواقف، أو جماعة من المسلمين، حتى لو وجد أفضل منه.

فإن صلى أحد إماما دون إذن الإمام الراتب مع عدم ضيق الوقت فصلاته باطلة؛ لأن النهي يقتضي الفساد.

والراجح: صحة الصلاة مع الإثم؛ لتعديه على حق الإمام بلا إذن؛ لأن النهي لأمر خارج عن العبادة، وهو مذهب الشافعية.

وعليه: لا يجوز التقدم على الإمام الراتب إلا في الأحوال التالية:

أ) أن يأذن له الإمام الراتب؛ لحديث: (إلا بإذنه).

ب) أن يتأخر الإمام تأخرا يشق على المأمومين؛ لحديث سهل بن سعد: (أن رسول الله ﷺ تأخر مرة فقدم الناس أبا بكر) [الشيخان].

ج) الإمام الأعظم أو نائبه يقدمون على الإمام الراتب؛ لأن هذا هو اللائق ببذل الطاعة، وهذا قول عامة الفقهاء.

وتكرار الجماعة في المسجد الراتب ليس افتئاتا خلافا للجمهور.


(الدرس الثالث)

- صلاة الجماعة تدرك بإدراك تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام، عند الجمهور؛ لحديث أبي هريرة: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) [الشيخان].

ويرى المالكية وابن تيمية أن الجماعة تدرك بإدراك ركعة مع الإمام، وهو الأقرب؛ لحديث أبي هريرة: (من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة) [الشيخان]، فدل مفهومه على أن من لم يدرك ركعة لم يدرك الصلاة؛ أي: الجماعة.


- من أدرك الركوع والإمام إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل، بحيث يعلم من رأى الإمام أنه راكع، فقد أدرك الركعة.


- السنة دخول المأموم مع الإمام على أي هيئة كان، قائما، أو ساجدا؛ لينال الأجر، لكن لا يعتد بركعة لم يدرك ركوعها.

وعند الجمهور أنه يدخل مع الإمام ولو كان في التشهد الأخير؛ لحديث: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، ولم يكن الصحابة ينتظرون سلام الإمام ليصلوا جماعة أخرى.

ومن أتى المسجد وقد انصرفوا فله مثل أجرهم إن لم يفرط؛ لحديث أبي هريرة: (من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا) [صححه الألباني].


- يجب على المسبوق ألا يقوم إلى الفائتة إلا بعد تسليمة الإمام الثانية، فلو قام قبل التسليمة الثانية انقلبت صلاته نافلة؛ لأنه شرع بالانفراد بلا عذر قبل انتهاء صلاة الإمام؛ لأن التسليمتين واجبتان، ولا يجوز له مفارقة إمامه قبل الفراغ من صلاته.

لكن يستثنى من ذلك:

أ) إذا نوى الانفراد لعذر، فصلاته صحيحة، كقصة الرجل مع معاذ.

ب) أو كان جاهلا بعدم جوازه، أو ناسيا.

ج) أو لا يرى وجوب التسليمة الثانية، كالمالكي والشافعي.


(الدرس الرابع)

- إن أقيمت الصلاة فصلاة النافلة لها حالان:

أ) أن تقام الفريضة قبل الشروع في النافلة: فهنا استفتاح النافلة حرام؛ لصراحة النهي في حديث أبي هريرة: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) [مسلم]، حتى لو كانت سنة الفجر على الصحيح، وهذا قول الشافعي وأحمد.

بل لا تنعقد على المذهب؛ لأنهم يرون أن النهي يقتضي الفساد مطلقا.

ب) إن شرع بها قبل الإقامة: فإنه يتمها خفيفة، إلا إن خشي فوات الركعة فله أن يقطعها، وإتمامها خفيفة أولى.


- من صلى الفرض وحده، أو مع جماعة، ثم أدرك الجماعة الأولى في مسجد سُنّ له أن يصلي معهم، ولو في وقت نهي، والأُولى فرضه، والثانية نافلة له؛ لقوله ﷺ لأبي ذَر: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ أو يميتون الصلاة عن وقتها؟) قلت: فما تأمرني؟ قال: (صَلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم، فصل؛ فإنها لك نافلة) [مسلم]، وهذا قول الشافعي وأحمد.

فإن صلى المغرب وحده ثم أدرك جماعة، فإنه يصلي معهم ثم يشفع بركعة؛ لقول علي: (إذا أعاد المغرب يشفع بركعة) [ابن أبي شيبة].


- يتحمل الإمام عن المأمومين ستة أمور:

أ) قراءة الفاتحة، فلا يجب على المأموم قراءتها مطلقا على المذهب، واختار ابن تيمية أن المأموم يقرأها في السرية دون الجهرية.

ب) سجود السهو، فلو سها المأموم فيما أدرك إمامه فيه، فلا يشرع له سجود السهو؛ لحديث: (الإمام ضامن).

ج) سجود التلاوة، فلو قرأ المأموم السجدة أثناء الصلاة لم يسجد؛ لأن في ذلك مخالفة لإمامه.

د) السترة، فلو مر بين يدي المأموم شيء لم يضره ولم يؤمر برده؛ لأن سترة الإمام تجزئ عن المأمومين؛ لحديث ابن عباس: (مررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم يُنكر ذلك علي) [الشيخان].

هـ) دعاء القنوت، فإن المأموم يكتفي بالتأمين خلف إمامه ولا يدعو، وله مثل دعائه؛ لأن موسى ﷺ دعا وهارون ﷺ أمّن فقال الله: {قد أجيبت دعوتكما}.

و) التشهد الأول إذا سُبق بركعة في رباعية، فالمسبوق بركعة يتابع إمامه إذا قام للثالثة، وهي بالنسبة له الثانية ولا يجلس للتشهد الأول، ويتحمله إمامه؛ لئلا يختلف على إمامه.

لكن يسن للمأموم الاستفتاح والتعوذ في الجهرية، إلا إن دخل بعد شروع الإمام في القراءة فلا يستفتح؛ لأنه سنة مستقلة.


- سكتات الإمام في الصلاة الجهرية ثلاث، وبعضها مختلف فيها:

أ) بين تكبيرة الإحرام والفاتحة، فهذه مستحبة عند الجمهور؛ لقول أبي هريرة: (كان رسول الله ﷺ إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ) [الشيخان].

ب) بين الفاتحة والقراءة الأخرى؛ لحديث سمرة: (وسكتةً إذا فرغ من قراءة {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}) [ضعيف]، والصحيح عدم ذلك؛ لضعف الحديث.

ج) بعد الفراغ من القراءة، وقبل تكبيرة الإحرام، وهي سكتة قصيرة بمقدار ما يتراد إليه النفس؛ لحديث سمرة: (حفظت سكتتين في الصلاة: سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ، وسكتةً إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورةٍ عند الركوع) [ضعيف].


(الدرس الخامس)

- من أحرم مع إمامه (أي وافق إمامه في تكبيرة الإحرام)، أو قبله، لم تنعقد صلاته فرضا؛ لأنه ائتم بغير إمام، ويجب عليه إعادة التكبيرة، فإن لم يفعل صحت صلاته نفلا.


- للمأموم مع إمامه أربع أحوال:

المتابعة، وهي المشروعة، والمسابقة، وهي محرمة.

والموافقة، والتخلف، ويأتي تفصيلهما.


١) المتابعة:

المشروع في حق المأموم متابعة إمامه، بأن يأتي بأفعال الصلاة بعد تلبس إمامه بها؛ لحديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا).


٢) الموافقة:

يكره للمأموم موافقة إمامه في أفعال الصلاة كالركوع والسجود؛ لأنه مخالف للأمر في الحديث السابق.

أما الموافقة في أقوال الصلاة فيختلف: إن كانت الموافقة في تكبيرة الإحرام فلا تنعقد صلاته، وإن كانت في السلام أو تكبيرات الانتقال فمكروه، وإن كانت في تسبيحات الركوع والسجود ونحوها فجائز.


٣) المسابقة:

مسابقة المأموم للإمام محرمة بالاتفاق كما نقل ابن تيمية، وهذا في الأفعال أو الأقوال الواجبة؛ لحديث أبي هريرة: (ما يأمن الذي يرفع رأسه في صلاته قبل الإمام أن يحول الله صورته صورة حمار) [الشيخان].

ومن سبق إمامه إلى ركوع أو سجود أو رفع لزمه أن يرجع ويتابع إمامه. فإن أبى الرجوع للمتابعة عالما عامدا بطلت صلاته.


٤) التخلف:

إن تخلف لعذر فعليه الإتيان بالركن الذي تخلف فيه ثم متابعة إمامه.

إلا إن وصل الإمام إلى المكان الذي هو فيه من الركعة التالية، فإنه يتابع إمامه ويأتي بما فاته بعد السلام.

فإن تخلف لغير عذر فله حالان:

أ) إن أدرك المأموم الإمام في الركن الذي تخلف عنه فيه، فصلاته صحيحة لكنه خالف السنة.

ب) إن فارق الإمام الركن الذي تخلف عنه المأموم فيه، فصلاته غير صحيحة، كأن يتأخر عن الركوع؛ لحديث: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).


(الدرس السادس)

- يسن للإمام تخفيف الصلاة مع إتمامها وإكمالها؛ لحديث أبي هريرة: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء) [الشيخان].


- صلاة الإمام لا تخلو من أربع أحوال:

التطويل، والتوسط، والتقصير، والتفريط.


١) التطويل:

يجوز التطويل إن كان المأمومون يرغبون فيه، وإطالة النبي ﷺ محمولة على علمه بمحبة الصحابة للإطالة.


٢) التوسط:

وهو التخفيف مع الإتمام في صلاته، وهذا هو السنة الثابتة من قول الرسول ﷺ وفعله.


٣) التقصير:

وهو التخفيف بلا إتمام، والاقتصار على الواجب من القراءة والأذكار، ويترك السنن، فهذا مجزئ، لكنه خلاف السنة، إلا عند حصول عارض فيفعله؛ لحديث أبي قتادة: (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه) [الشيخان].


٤) التفريط:

وهو أن يترك بعض الواجبات، وهذا غير جائز.

والضابط في التخفيف والتطويل:

ما ورد عن النبي ﷺ، وليس تقديرات الناس؛ لأنها تختلف.


- الغالب في القراءة النبوية في الصلوات أن يقرأ ﷺ:

- في الفجر: ما بين الستين إلى المئة.

- وفي الظهر: بنحو ثلاثين آية في كل ركعة من الأوليين.

- وفي العصر: على النصف من ذلك.

والدليل حديث أبي سعيد: (أن النبي ﷺ كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك) [مسلم].

- وفي المغرب: أحيانا بأواسط المفصل كالمرسلات، وأحيانا بطواله كالطور، وأحيانا بقصاره كالتين والمعوذتين.

- وفي العشاء: يقرأ بأواسط المفصل؛ لأن النبي ﷺ قال لمعاذ: (اقرأ والشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى).


- يستحب للإمام إذا دخل أحد المسجد وهو راكع أن يطيل الركوع ليدرك الداخل الركعة، فإن كان ذلك يشق على المأمومين فهو مكروه؛ لأنهم أحق بالمراعاة من الداخل.


- من استأذنته امرأته للمسجد كره له منعها؛ لحديث: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها)  إلا إن خشي الفتنة عليها أو بها، أو خاف عليها الضرر.

ويجب على المرأة استئذان زوجها للخروج إلى المسجد بلا خلاف، وأن تخرج بلا زينة، ولا طيب، ولا تبرج.

وبيتها خير لها؛ لحديث: (وبيوتهن خير لهن) [صححه الألباني].

إلا الصلوات التي لا تقام في البيوت كالعيدين، فحضورها مرغب فيه بالضوابط الشرعية.


(الدرس السابع)

(فصل في الإمامة)

- الأحق بالإمامة:

الأصل في هذا الباب حديث أبي مسعود: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلما) وفي رواية (سنّا) [مسلم].


فقه الحديث:

١) يُقدم أولاً من جمع وصف "الأقرأ والأفقه" بلا خلاف.

٢) ثم الأقرأ ولو كان غيره أفقه منه؛ لحديث أبي سعيد: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) [مسلم].

والأقرأ: هو الأكثر حفظا، والأجود تلاوة، فإن تساووا في الحفظ قدم الأجود تلاوة، وإن كان أحدهما أكثر حفظا والآخر أقل لحناً وأجود قراءة فهو أولى.

ولا بد من كون الأقرأ عالما بأحكام الصلاة ليأتي بها على وجهها.

٣) فإن تساووا في القراءة فأعلمهم بالسنة وأفقههم فيها؛ لأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة ونحوها.

٤) ثم أقدمهم هجرة، أي: أسبق هجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.

٥) ثم الأقدم إسلاما؛ لقوله ﷺ: (فأقدمهم سلما).

٦) ثم الأكبر سنّا؛ لأن المسن أحق بالتوقير والتقديم.

فالخلاصة: المراتب ست: الأقرأ الأفقه، ثم الأقرأ، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم الأقدم إسلاما، ثم الأكبر سنا.


- عند التساوي في الأمور الستة السابقة يقدم الأشرف في الإمامة، ثم الأتقى والأورع، ثم يُقرع بينهم قرعة، ودليل تقديم الأشرف حديث: (قدموا قريشا ولا تقدموها) [مرسل]، وفي هذا نظر؛ لأن الحديث ضعيف، ولأن المقصود تقديمهم في الإمامة العظمى، عند جمهور العلماء.

والقرعة نص عليها الإمام أحمد؛ لأن سعد بن أبي وقّاص فعلها [علقه البخاري].


- تنبيه: عامة العلماء على أن هذا الترتيب مستحب لا واجب.


(الدرس الثامن)

- إذا أقيمت الجماعة في بيت أو سلطان، فصاحبه أولى بالإمامة من غيره، إن كانت الصلاة تصح خلفه، ولو كان غيره أقرأ منه؛ لحديث أبي مسعود: (ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) [مسلم].


- الإمام الراتب هو الأحق بالتقديم من غيره، وليس لغيره الافتئات عليه؛ لأنه في معنى السلطان وصاحب البيت، حتى لو كان عبدا، فإمامته صحيحة عند الأكثر؛ لعموم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ولم يفرق بين حر وعبد.


- بعد التساوي في الصفات السابقة:

١) يقدم الحر على العبد؛ لأن العبد تحت تصرف سيده، وهو مشغول بخدمته، إلا إن كان العبد أقرأ أو أفقه ونحو ذلك.

٢) يقدم الحاضر على المسافر؛ لئلا يشوش عليهم بالقصر؛ ولتتم صلاتهم كاملة خلف الإمام.

٣) يقدم البصير على الأعمى.

٤) يقدم المتوضئ على المتيمم.


- إمامة الفاسق:

الفاسق: هو من خرج عن طاعة الله بفعل كبيرة، أو الإصرار على صغيرة.

لا تصح إمامة الفاسق إلا في جمعة وعيد تعذرا خلف إمام آخر؛ لحديث جابر بن عبد الله: (ألا لا تؤمن امرأة رجلا، ولا يؤم أعرابي مهاجرا، ولا يؤم فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره بسلطان، يخاف سيفه وسوطه) [ضعيف].

والراجح: مذهب الجمهور، فتصح إمامة الفاسق؛ لحديث أبي هريرة: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم) [البخاري]، ورجحه ابن عثيمين.


- الصلاة خلف المبتدع لها حالان:

١) بدعته مكفرة، كغلاة الرافضة، فلا تصح خلفهم بالاتفاق.

٢) بدعته غير مكفرة، كالأشاعرة، فتصح خلفهم؛ لأن عبيد الله بن عدي بن خيار دخل على عثمان وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج؟ فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس، فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم) [البخاري].


[الدرس التاسع]

- تصح الإمامة مع الكراهة بالنسبة لـ:

١) الأعمى.

٢) والأصم؛ لأنه إذا سها لا يمكن تنبيهه.

٣) والأقلف (وهو غير المختون)؛ لأن غيره أولى لتيقن الطهارة؛ لأن قلفة الذكر إذا لم تقطع صارت سببا لوجود النجاسة فيها.

وعلة الكراهة: لأن بعض العلماء يرى بطلان إمامة هؤلاء.

والراجح: أن هؤلاء (الأعمى، والأصم، والأقلف) تصح إمامتهم؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته بلا كراهة إلا بدليل.


- كثير اللحن إذا لم يُحل المعنى تكره إمامته إلا بمثله؛ لأن القراءة مقصودة في الصلاة.

وكذا تكره إذا كان لحنه يحيل المعنى في غير الفاتحة وكان كثيرا؛ لحديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).

إلا إن كان لحنه يحيل المعنى في الفاتحة، فلا تصح إمامته إلا بمثله؛ لأن الفاتحة ركن.


- التمتام (وهو من يكرر التاء)، والفأفاء (وهو من يكرر الفاء)، تكره إمامتهما؛ لأنهما يزيدان في الحروف، وتصح الصلاة خلفهما؛ لأنهما يأتيان بالحروف على الكمال.


- العاجز عن ركن (كالقيام) أو شرط (كستر العورة) لا يؤم القادر، إلا بشرطين:

١) أن يكون هو الإمام الراتب؛ إذ لا حاجة لتقديم عاجز إن لم يكن هو الراتب.

٢) أن يرجى بُرؤه من المرض؛ لأن من لا يرجى بُرؤه يفضي إلى تركهم القيام ونحوه على الدوام.

فإن لم يتوفر الشرطان فالإمامة باطلة على المذهب، ورجح ابن تيمية وابن عثيمين صحتها؛ لحديث: (وإذا صلى قاعدًا، فصلوا قعودا أجمعون).


- إذا صلى الإمام جالسا لعذر، صلى من خلفه جلوسا؛ لأنه المروي عن الصحابة.


- لو صلى الناس خلف الإمام القاعد قياما فصلاتهم صحيحة؛ لأن الرسول ﷺ لم يأمر من صلى خلفه قائما بالإعادة.


- إن ترك الإمام ركنا أو شرطا مختلَفا فيه مقلِّدا لغيره صحت إمامته. ومن صلى خلفه معتقدا بطلان صلاته أعاد؛ لأنه ائتم بمن يعتقد بطلان صلاته.


(الدرس العاشر)

- المسائل المختلف فيها على قسمين:

١) مسائل لا يسوغ الاختلاف فيها، كالتي فيها نص من الكتاب أو السنة، أو إجماع ثابت، كمسائل الاعتقاد، ووجوب الصلاة، فهذه يُنكر على المخالف فيها.

٢) مسائل يسوغ الاجتهاد فيها، وهي التي لا نص فيها ولا إجماع، فهذه لا يُنكر فيها على المخالف إن كان من أهل الاجتهاد.


- لا تصح إمامة المرأة بالرجل، ولو كان مَحْرما لها؛ لعموم حديث أبي بكرة: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) [البخاري].

وتصح إمامة المرأة بالمرأة.


- لا تصح إمامة المميز إلا لمميز مثله، أما إمامته للبالغ فتصح في النفل دون الفرض؛ لقول ابن مسعود: (لا يؤمن الغلام حتى تجب عليه الحدود) [ضعيف]، وقول ابن عباس: (لا يؤمن الغلام حتى يحتلم) [ضعيف]، هذا المذهب.

والصحيح: أن إمامة المميز للبالغ في الفرض صحيحة؛ لأن عمرو بن سلمة أم قومه زمن رسول الله ﷺ وعمره سبع سنين لأنه أكثرهم قرآنا [البخاري]، وهذا مذهب الشافعي، ورأي ابن عثيمين.


- لا تصح إمامة محدث ولا نجس يعلم ذلك؛ لأن رفع الحدث وإزالة النجاسة شرط، ومن أخل به عالما بطلت صلاته.

أما صلاة من خلفه فلها حالان:

١) من علم بحدث إمامه قبل فراغ الصلاة لم تصح صلاته إن استمر معه بعد علمه؛ لأنه ائتم بمن يعلم بطلان صلاته، فإن انفصل عنه صحت صلاته.

٢) ومن لم يعلم إلا بعد الفراغ من الصلاة صحت صلاته؛ لعدم علمه، ولاعتقاده صحة صلاته إمامه.


- إذا صلى الإمام وعليه نجاسة في بدنه أو ثوبه فله ثلاث أحوال:

١) أن يعلم الإمام والمأموم بالنجاسة أثناء الصلاة، فصلاتهم باطلة؛ لإخلالهم بشرط.

٢) أن يعلموا جميعا بعد الصلاة، فصلاتهم صحيحة؛ لأن النجاسة معفو عنها بالنسيان على الصحيح.

٣) أن يعلم الإمام فقط، فتبطل صلاته وحده، إن لم يستطع إزالتها.

٤) أن يعلم المأموم فقط فصلاة الجميع صحيحة؛ لأن الإمام معذور.


- لا تصح إمامة الأمي -وهو من لا يحسن الفاتحة- إلا بمثله؛ لحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فهي ركن، والقراءة مقصودة في الصلاة.

وتصح بمثله؛ لأنهم غير قادرين.


- يصح النفل خلف الفرض بلا خلاف؛ لحديث أبي ذَر: قال: قال لي رسول الله ﷺ: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ أو يميتون الصلاة عن وقتها؟) قلت: فما تأمرني؟ قال: (صَلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل؛ فإنها لك نافلة) [مسلم].

ولا تصح الفريضة خلف النافلة؛ لحديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)، وهو المذهب.

والراجح: أنها تصح؛ لأن معاذا (كان يصلي مع رسول الله ﷺ العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة) [الشيخان] والثانية له نافلة، وهذا مذهب الشافعي، واختيار ابن تيمية.


- تصح الصلاة المقضية خلف الحاضرة، وتصح الحاضرة خلف المقضية، بشرط التساوي في الاسم (مثل: ظُهر خلف ظُهر) وإن اختلف الزمن.

واختار شيخ الإسلام الصحة حتى مع عدم التساوي في الاسم، فتصح الظهر خلف العصر.


(الدرس الحادي عشر)

(فصل في وقوف الإمام)

- هذا الفصل لبيان موقف الإمام، وموقف المأمومين منه.


- يصح وقوف الإمام وسط المأمومين؛ لأن ابن مسعود جعل علقمة والأسود عن يمينه وشماله [مسلم]، فدل على الجواز، والسنة جعلهما خلفه.

ومنع ذلك الجمهور؛ لأن النبي ﷺ جعل جابرا وجبارا خلفه، والفعل النبوي مقدم على فعل الصحابي.


- السنة وقوف الإمام متقدما على المأمومين، ويكونون صفا خلفه؛ لحديث أنس: (فقام رسول الله ﷺ وصففت واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا) [الشيخان].


- يقف الرجل الواحد عن يمين الإمام محاذيا له، لا متقدما عليه، ولا متأخرا عنه؛ لحديث ابن عباس: (فقام النبي ﷺ فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه) [الشيخان].


- لا يجوز للمأموم الواحد الوقوف خلف الإمام، ولا عن يساره مع خلو يمينه، فإن فعل فلا تصح صلاته؛ لإدارة النبي ﷺ ابن عباس وجابرا، ولو كانت تصح لأبقاهما، هذا المذهب.

والراجح: صحة صلاة المأموم الواحد يسار الإمام؛ لأن النبي ﷺ لم يأمرهما بالإعادة، وهذا مذهب الجمهور، واختيار ابن عثيمين.


- المرأة تقف خلف الإمام، ولو كانت وحدها؛ لحديث أنس: (والعجوز من ورائنا).

أما المرأة إن صلت بجماعة النساء فإنها تقف وسطهن؛ لأن عائشة وأم سلمة (إذا أمّتا النساء وقفن وسطهن)، ولأنه أستر.

ولو صلت بهن كصفوف الرجال فلا بأس.


- إن صلى الرجل ركعة خلف الصف منفردا، فصلاته باطلة مطلقا، ولو كان جاهلا، أو ناسيا؛ لحديث علي بن شيبان: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) [ابن حجر: في صحته نظر]، هذا المذهب.

ويرى الجمهور أنها تصح مطلقا؛ لحديث: (والعجوز من ورائنا).

ويرى ابن تيمية أنها تصح لعذر، وتبطل بدونه؛ لحديث علي بن شيبان السابق، والعذر: مثل تمام الصف؛ لأن الواجبات تسقط بالعجز.

فمن جاء والصف مكتمل فلا يجذب أحدا من الصف المقدم؛ لأن فيه اعتداء على غيره ممن تقدم. والاستدلال على ذلك بزيادة الطبراني: (أو اجتررت رجلا إليك إن ضاق بك المكان) لا يصح؛ لأنها منكرة.


(الدرس الثاني عشر)

- اقتداء المأمومين بالإمام داخل المسجد أو خارجه له أربع أحوال:

١) إن كانت الصفوف متصلة: فيصح الاقتداء بالإمام، ولو كان المأموم خارج المسجد بالاتفاق، كما نقله ابن تيمية.

٢) أن يكونوا في مكان واحد كالمسجد: فيصح الاقتداء، ولو لم تتصل الصفوف، ولو كان بينهم مسافة طويلة، والسنة تتابع الصفوف، ولا تشترط الرؤية بل يكفي سماع الصوت.

٣) أن يكون بين المأمومين والإمام حائل يمنع مشاهدته كالجدار، وليس بينهما طريق يمشي الناس فيه: فإن أمكنهم متابعته بسماع صوته فيصح الاقتداء به، وهذا رأي الإمام أحمد، واختيار ابن تيمية وابن عثيمين؛ لحديث عائشة: (كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي ﷺ فقام أناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثا) [البخاري].

٤) إذا كان الإمام داخل المسجد والمأموم خارجه، وفصل بينهما نهر تجري فيه السفن، أو طريق يمشي الناس فيه، ولم تتصل الصفوف، فلا تصح على المذهب وفاقا لأبي حنيفة؛ لأن الطريق ليس محلا للصلاة، هذا المذهب.

والراجح: صحة الصلاة، ما دام الاقتداء بالإمام ممكنا، إما بسماع صوته، أو رؤية بعض المأمومين، لا سيما عند الحاجة، وهذا مذهب مالك والشافعي، واختيار ابن باز؛ لعدم الدليل على المنع.


- علو الإمام على المأموم أثناء الصلاة مكروه؛ لحديث حُذيفة: (إذا أم الرجل القوم، فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) [ضعفه الألباني].

ويستثنى حالان:

١) الارتفاع بقصد التعليم؛ لحديث سهل بن سعد: أن الرسول ﷺ صلى على المنبر، وكبر وهو عليه، ثم ركع وهو عليه، ثم نزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: (أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا، ولتعلموا صلاتي) [الشيخان].

٢) أن يرتفع مع الإمام بعض المأمومين، فيزول المنع؛ لأنه لم ينفرد بالارتفاع.

أما العكس وهو علو بعض المأمومين على الإمام فجائز بلا كراهة؛ لـ(أن أبا هريرة صلى على سقف المسجد بصلاة الإمام) [علقه البخاري]، وهذا هو المذهب، واختيار ابن عثيمين.


- أكل البصل والثوم حلال عند الجماهير، لكن يُنهى مَن أكلها عن حضور المسجد؛ لحديث جابر: (من أكل من هذه الشجرة المنتنة، فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس) [الشيخان].

والمذهب: أن النهي للكراهة، ويرى ابن جرير والظاهرية أنه للتحريم.


- من أكل الثوم والبصل تحايلا على ترك الصلاة فهو آثم. ومن أكلها رغبة فيها فلا إثم عليه.


- يستحب الوقوف عن يمين الصف إذا كانوا جماعة؛ لحديث البراء: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله ﷺ أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه) [مسلم].


- الصلاة بين السواري والأعمدة مكروهة إلا لحاجة؛ لحديث أنس: (كنا نتقي هذا على عهد رسول الله ﷺ) [صححه الألباني]، والنهي خاص بالمأموم؛ لأن فيه قطعا للصفوف.


- السنة تقديم الرجال على الصبيان في ترتيب الصفوف؛ لحديث أبي مسعود: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) [مسلم].

فإن سبق الصبي خلف الإمام فلا يؤخر لأجل غيره، إن كان مميزا عاقلا؛ لأن المقصود بحديث أبي مسعود السابق الحث على المبادرة.



(الدرس الثالث عشر)

(فصل في الأعذار)

- هذا الفصل لذكر الأعذار التي تسقط بها صلاة الجمعة والجماعة، وهي داخلة في قاعدة: (المشقة تجلب التيسير)، و(الضرر يزال).


- يعذر بترك الجمعة والجماعة الأصناف التالية:

١) المريض؛ لآية: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}، وحديث عائشة أن النبي ﷺ لما مرض مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن، فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) [الشيخان].

وضابط المرض الذي يكون عذرا:

هو ما يلحق صاحبه بحضوره حرج ومشقة، إما لعدم قدرته على المشي، أو يشق عليه الصلاة مع الجماعة.

٢) والخائف حدوث المرض له؛ بسبب وجود أسباب المرض فهو معذور؛ لأنه في معنى المريض، كمن به جرح ويخشى إن حضر أن يزداد من الهواء، أو البرد.

٣) والمدافع أحد الأخبثين، وهما البول والغائط، فيذهب لقضاء حاجته ولو فاتته الجماعة؛ لحديث: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان). والحكمة من ذلك: أنه يشغل القلب عن الخشوع، ويلحق المصلي ضرر بحبسه البول والغائط. ولو صلى الحاقن فصلاته صحيحة عند الجمهور.

٤) ومن خاف فوات ماله، أو أهله، أو ولده، أو أمانة عنده كأن يكون مستأجرا لحفظ بستان وغيره، فيعذر بترك الجماعة؛ لأن القلب ينشغل عن الصلاة، ويلحق العبد ضرر بفوات غرضه.

٥) إذا حصل مطر، أو وحل، أو ثلج، أو ريح شديدة، يحصل في الخروج فيها مشقة، فهي عذر لترك الجماعة؛ لحديث ابن عمر: أن رسول الله ﷺ كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة، أو ذات مطر في السفر أن يقول: (ألا صلوا في رحالكم) [الشيخان].

٦) الريح الباردة في الليل عذر في ترك الجماعة؛ لحديث ابن عمر: (إذا كانت ليلك باردة، أو ذات مطر في السفر).

والأقرب: عدم اشتراط الليل؛ لأن العبرة بالمشقة، وهذا اختيار ابن عثيمين.

٧) تطويل الإمام تطويلا خارجا عن السنة يشق على المأموم متابعته هو عذر في ترك الجماعة؛ لقصة الذي صلى مع معاذ فلما قرأ البقرة انحرف فصلى وحده.


- لو طرأت هذه الأعذار أثناء الصلاة فله الانفراد ويكملها منفردا، إلا إذا كان لا يستفيد من الانفراد شيئا.


(الدرس الرابع عشر)

(باب صلاة أهل الأعذار)

- هذا الباب لبيان كيفية صلاة أهل الأعذار، والأعذار ثلاثة: المرض، والسفر، والخوف.


١) يلزم المريض أن يصلي المكتوبة قائما؛ لآية: {وقوموا لله قانتين}، وحديث عمران: (صَلِّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب).

فإن لم يستطع القيام إلا بالاستناد على عصا أو جدار من غير مشقة، فإنه يلزمه ذلك؛ لحديث: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).


٢) فإن شق عليه القيام وضَرَّه: صلى قاعدًا بالإجماع، نقله ابن قدامة؛ لحديث: (فإن لم تستطع فقاعدا)، ولم يُبين الحديث صفة القعود فدل على أنه كيفما قعد جاز، سواء تربع، أو افترش، أو اتكأ، أو احتبى.

واستحب الفقهاء (التربع) لقول عائشة: (رأيت النبي ﷺ يصلي متربعا) [صححه الألباني].


من صلى قاعدًا:

أ) في حال القيام: يضع يديه على صدره، كحال القيام في الصحة.

ب) حال الركوع: يجعل يديه على ركبتيه ويحني ظهره.

ج) حال السجود: يسجد على الأرض، فإن لم يقدر حنى ظهره وجعل يديه على ركبتيه؛ لحديث: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فإن لم يقدر اكتفى بالإيماء.


٣) فإن لم يستطع الصلاة قاعدًا صلى على جنبه.

والجنب الأيمن أفضل؛ لـ(أن النبي ﷺ كان يعجبه التيمن) [الشيخان].

ويجعل وجهه إلى جهة القبلة.


٤) من عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيا على ظهره ورجلاه إلى القبلة، ويومئ بالركوع والسجود إلى جهة صدره، ويجعل السجود أخفض من الركوع.


٥) فإن عجز أومأ بطرفه، ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا، فتسقط الأفعال دون الأقوال، فيأتي بما يقدر عليه، وينوي الركوع والسجود، ويأتي بأذكارهما في مواضعهما؛ لآية: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وهذا مذهب الجمهور، ورأي ابن عثيمين.

وذهب الحنفية -واختاره ابن تيمية- إلى أن الصلاة تسقط، ولا يشرع الإيماء بالطرف؛ لأنه لم يذكر في حديث عمران، والأول أحوط.


- تنبيه: ذكر بعض العامة الإيماء بالإصبع، ولا أصل له.


- من صلى قاعدًا وفي أثناء صلاته قدر على القيام وجب الانتقال إليه، وكذا من صلى على جنب ثم قدر على القعود؛ لأن العذر زال فزالت الرخصة.


- من قدر أن يقوم منفرداً، أو يصلي مع الجماعة قاعدًا، خُيّر بينهما؛ لأنه يفعل في كل منهما واجبا ويترك واجبا.

وقيل: يصلي منفرداً قائماً؛ لأن القيام ركن بالاتفاق، بخلاف صلاة الجماعة ففيها خلاف.

وقيل: يصلي مع الجماعة قاعداً أفضل إن لم يشق عليه؛ لـ(أن الرسول ﷺ صلى قاعدًا في مرضه) [الشيخان]، واختاره ابن عثيمين.


(الدرس الخامس عشر)

- صلاة الفريضة لا تصح على الراحلة والسيارة؛ لأنه لا يقدر على الركوع والسجود الصحيح، إلا إذا كان لا يقدر على النزول إلى الأرض؛ كأن يخشى من إدراك العدو له، أو لأن الأرض فيها طين، ونحو ذلك، فيجوز الصلاة على الراحلة؛ لآية: {فاتقوا الله ما استطعتم}.


- صلاة النافلة على الراحلة:

١) في السفر: جائزة بالإجماع، نقله ابن حجر؛ لحديث ابن عمر: (كان رسول الله ﷺ يُسَبِّح على الراحلة قِبل أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة) [الشيخان].

٢) في الحضر: لا يجوز عند الأئمة الأربعة؛ لأنه لم يُنقل عن النبي ﷺ.


- صلاة الفريضة في السفن ونحوها:

١) إن كان المكان مهيئاً للصلاة ويمكنه الإتيان بأركانها وشروطها فيصح.

٢) وإن لم يكن مهيئاً كالسيارة، فينتظر حتى ينزل، إلا إن خشي فوات وقتها، وكانت لا تجمع مع ما بعدها، فيصلي حسب حاله، ويأتي بما يقدر عليه.


- من صلى الفريضة على الراحلة لعذر فعليه الإتيان بقدر ما يستطيع من الفروض والواجبات كاستقبال القبلة والركوع والسجود، ويسقط ما عجز عنه.


- من صلى وفي الأرض طين وماء جاز له أن يصلي قائما، أو على راحلته ويومئ بالسجود؛ لآية: {فاتقوا الله ما استطعتم}.


(الدرس السادس عشر)

- هذا فصل في صلاة المسافر.


- قصر الصلاة الرباعية في السفر مشروع بالإجماع؛ لآية: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}؛ ولحديث ابن عمر: (صحبت رسول الله ﷺ في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله) [الشيخان].


- قصر الرباعية في السفر أفضل من الإتمام عند جماهير العلماء؛ لأنه لم يثبت عن النبي ﷺ الإتمام في السفر.

ومن أتم صحت صلاته؛ لأن عائشة كانت تتم في السفر بعد وفاة النبي ﷺ [مسلم]، وكذا عثمان أتم بمنى وتابعه الصحابة [مسلم]، لكنه خلاف السنة النبوية، واختار ابن تيمية أن الإتمام مكروه.


- السفر الذي يقصر فيه له ثلاثة ضوابط -على المذهب-:

١) كون السفر مباحا، لا محرما؛ لأن الرخص تسهيل على المكلف، والعاصي لا يستحق، وهذا مذهب الجمهور أيضاً.

والراجح: أنه لا يشترط؛ لأن القصر معلق بالسفر لإطلاق النصوص، قالت عائشة: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر) [مسلم]، وهذا مذهب أبي حنيفة، واختيار ابن تيمية، وابن عثيمين.


٢) ويشترط كون المسافر يريد جهة معينة، فالسائح -مثلا- إن لم يقصد جهة معينة لا يقصر.

والراجح: أنه لا يشترط؛ لعدم الدليل عليه.


٣) ويشترط أن يبلغ المسافة المحددة، وهو مذهب الجمهور، لكن اختلفوا في التحديد:

والمذهب: أنها قريبة من ثمانين كيلو متر، واختاره ابن باز؛ لحديث: (وكان ابن عمر وابن عباس يقصران، ويفطران في أربعة بُرُدٍ، وهي ستة عشر فرسخا) [علقه البخاري].

والقول الثاني: أن السفر لا يحدد بمسافة، بل يُحدد بالعرف، فما تعارف الناس على أنه سفر فهو سفر يجوز فيه القصر، ولو أقل من ثمانين كيلو متر، وهذا اختيار ابن تيمية، وابن عثيمين، وهذا القول أقوى؛ لأن النصوص مطلقة بلا قيد.

ولو اضطرب العرف ولم نعلم: هل هذا سفر أم لا؟ رجعنا لقول الجمهور في التحديد؛ لأنه أضبط.


- المسافر لا يترخص برخص السفر حتى يفارق بنيان بلده، عند الأئمة الأربعة؛ لحديث أنس: (أن النبي ﷺ  صلى الظهر بالمدينة أربعا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين) [الشيخان]، واختاره ابن عثيمين، والمراد: المفارقة البدنية لا البصرية، للبيوت العامرة دون المزارع والبيوت الخربة.


- لو قصر في الطريق بعد خروجه من بلده ثم رجع، فلا يعيد صلاته؛ لأن نيته الأولى صحيحة، وقد فعل ما يلزمه في وقته.


(الدرس السابع عشر)

- ست أحوال يلزم المسافر الإتمام فيها:

١) إن دخل وقت الصلاة وهو في الحضر ثم سافر، فيتم تغليبا لجانب الحَظْر، واحتياطا للصلاة.

والأقرب: أنه يقصر؛ لأن العبرة بوقت فعل الصلاة، وهو قول الأكثر، واختاره ابن عثيمين.


٢) إذا صلى المسافر خلف من يتم الصلاة، فيلزمه الإتمام، عند الجمهور؛ لحديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، وكان ابن عمر (إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين) [مسلم].


٣) إذا لم ينوِ القصر عند الإحرام، فيلزمه الإتمام على المذهب، وفاقا للشافعية.

والراجح: أنه يقصر؛ لأن الأصل القصر في السفر، ولم ينقل أن النبي ﷺ كان يأمر أصحابه بنية القصر عند الافتتاح، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك، واختيار ابن تيمية، وابن عثيمين.


٤) إذا أخر الصلاة بلا عذر حتى ضاق وقتها عنها، فيتم وتكون قضاء، هذا المذهب.

والأقرب: أنه يقصر؛ لأن تأخيرها لا يمنع القصر.


٥) إذا نوى إقامة مطلقة غير مقيدة بزمن، ولا ينتقل منها إلا لسبب عارض، فحكمه حكم المقيم فلا يقصر، ونقل الاتفاق عليه.


٦) أن ينوي الإقامة أكثر من أربعة أيام فيتم، هذا المذهب.

والأقرب: أن المدة لا تحدد بزمن، فما دام لم يُجمع الإقامة، ويريد الرجوع إلى بلده بعد قضاء حاجته، فله الترخص ولو نوى أكثر من أربعة أيام؛ لأن النصوص لم تحدد أياماً، واختاره ابن تيمية، وابن عثيمين.


- المقيم في بلد مدة طويلة ولم ينوِ الاستيطان، كالمبتعثين فهؤلاء ليس لهم الترخص.


- الخلاصة مما تقدم في المسافر:

أ) ينوي الإقامة المطلقة: له حكم المقيم بالاتفاق.

ب) ينوي الإقامة لغرض معين غير محدد بزمن، ولا يدري كم يبقى: له الترخص ولو طالت المدة، وحكاه ابن المنذر إجماعا.

ج) ينوي الإقامة لغرض معين محدد بزمن معلوم: فيه خلاف، كما تقدم.


(الدرس الثامن عشر)

(فصل في الجمع)

- هذا الفصل لبيان أحكام جمع الصلاة، متى يجوز، ومتى يُمنع.


- الأصل أداء الصلوات في وقتها؛ لآية: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}، أي: فرضا مؤقتا، لكن تيسيرا للعباد أبيح الجمع إذا لحق المسلم حرج بأداء كل صلاة في وقتها.


- الجمع بين الصلاتين قسمان:

 جمع في السفر، وجمع في الحضر.

- أولا: الجمع في السفر:

وهو مشروع، ولا يختص بعرفة ومزدلفة، عند الجماهير؛ لأدلة كثيرة منها: حديث ابن عباس: (كان رسول الله ﷺ يجمع بين صلاة الظهر والعصر، إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء) [الشيخان].


- المسافر له حالان:

١) جاد في السير وماشٍ في سفره، فالسنة الجمع؛ لئلا ينقطع عن سفره؛ لحديث ابن عمر: (كان رسول الله ﷺ إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء) [الشيخان].

٢) نازل، فالسنة في حقه أن يصلي كل صلاة في وقتها؛ لأن النبي ﷺ كان يقصر في منى ولا يجمع.

ولو جمع فهو جائز؛ لحديث معاذ: (خرجنا مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا) [مسلم]، وهذا مذهب الشافعي، واختيار ابن عثيمين.


- ثانيا: الجمع في الحضر:

يباح الجمع في الحضر عند حصول الأعذار التالية:

١) المريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة؛ لآية: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وهذا مذهب مالك، وأحمد.


٢) المرضع لمشقة كثرة النجاسة؛ لحديث ابن عباس: (جمع رسول الله ﷺ بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف ولا مطر) قال سعيد بن جبير: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك؟ قال: (أراد ألا يحرج أمته) [مسلم].


٣) لعاجز عن الطهارة لكل صلاة بسبب المرض، كالمستحاضة، أو من به سلس بول، ونحو ذلك؛ لأنه ورد حديثان في جمع المستحاضة، كما يقول ابن تيمية.


٤) لعذر أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة، كما يقول الإمام أحمد.


٥) الجمع بسبب المطر جائز، عند الفقهاء السبعة والجماهير، وكذلك الثلج، والجليد، والريح الشديدة الباردة؛ لحديث ابن عباس المتقدم.

والجمع لأجل المطر ونحوه خاص بالمغرب والعشاء -على المذهب-، ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر؛ لأن الآثار الواردة في الجمع كانت بين العشاءين، ولأن المشقة في العشاءين أشد لأجل الظلمة.

والراجح: جواز الجمع بين الظهر والعصر، وهو مذهب الشافعي، واختيار ابن عثيمين؛ لحديث ابن عباس المتقدم.


- ضابط المطر الذي يجمع فيه:

هو ما يبل الثياب وتلحق مشقة معه، وأما المطر الخفيف فلا.

ويجوز جمع التقديم والتأخير، والتقديم أفضل؛ لأنه أرفق بالناس.


٦) يجوز الجمع بسبب الوحل، وهو الزلَق والطين، فإذا تأثرت الأسواق بالمطر، وشق على الناس المشي فيها جاز الجمع في المسجد؛ لوجود المشقة بسببه، وهذا مذهب مالك، وأحمد، واختيار ابن قدامة، وابن تيمية.


- الراجح: أن الجمع جائز عند الحاجة إذا لم يتخذ عادة، وليس خاصا بالأعذار السابقة؛ لقول ابن عباس: (أراد ألا يحرج أمته)، وهو اختيار ابن تيمية، وابن عثيمين.


(الدرس التاسع عشر)

- يشترط لصحة جمع الصلاة تقديماً أربعة شروط -على المذهب-:

١) أن ينوي الجمع عند تكبيرة الإحرام للأولى (والأُولى الظهر أو المغرب).

والصحيح: عدم الاشتراط، بل ينوي الجمع عند الإحرام بالثانية؛ لأن الرسول ﷺ لم يأمر أصحابه بذلك، بل يشترط وجود سبب الجمع عند الجمع، وهذا اختيار ابن تيمية، وابن عثيمين.


٢) وألا يفرِّق بين الصلاتين بنحو نافلة، بل بقدر إقامة ووضوء خفيفين، فلا بد من الموالاة، ويرى ابن تيمية عدم اشتراط الموالاة، والأول أحوط.


٣) وأن يوجد العذر عند افتتاحهما، واختار ابن تيمية، وابن عثيمين، جواز الجمع حتى لو لم يوجد العذر (كالمطر) إلا عند افتتاح الثانية.


٤) وأن يستمر العذر إلى فراغ الصلاة الثانية، فإن زال العذر في أثنائها صحت نفلا.

والأظهر: أنه يكفي استمرار العذر لحين الشروع في الثانية؛ لأن ما ترتب على المأذون غير مضمون، واختاره ابن قدامة.

ولو جمعوا ثم قبل دخول وقت الثانية (العصر أو العشاء) زال العذر؛ فلا إعادة عليهم لأن ما ترتب على المأذون غير مضمون.


- يشترط لجمع التأخير شرطان:

١) نية الجمع بوقت الأولى.

٢) بقاء العذر إلى دخول وقت الثانية؛ لأن تأخير الصلاة عن وقتها بلا عذر لا يجوز.

ولا تشترط الموالاة في جمع التأخير.


- صلاة العصر لا تجمع مع الجمعة، عند الجمهور؛ لعدم ورود دليل بذلك، ولأن الجمعة صلاة مستقلة تختلف عن الظهر، ومن جمع فعليه الإعادة، كما يقول ابن عثيمين.


- لا يشترط لصحة الجمع اتحاد الإمام والمأموم، فلو صلاهما خلف إمامين صح الجمع.


(الدرس العشرون)

(فصل في صلاة الخوف)

- صلاة الخوف مشروعة عند القتال المشروع (كالجهاد في سبيل الله) والقتال المباح (كقتال أهل البغي).

ودليل المشروعية: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك}، ولأن النبي ﷺ صلاها، وصلاها أصحابه من بعده، مثل علي ليلة الهدير، وهذا ما عليه الجماهير، خلافا لمن قال باختصاصها بالمصطفى ﷺ؛ لعدم الدليل على كلامه.


- صلاة الخوف مشروعة حضرا وسفرا؛ لعموم الآية السابقة، وهذا قول مالك، وأحمد.


- الخوف لا يؤثر في تغيير عدد ركعات الصلاة، بل في صفتها وبعض شروطها، وهذه الأحوال الخمسة لصلاة الخوف:

١) أن يكون العدو بعيدا لا يخافون مباغتته: فيلزمهم أن يصلوها تامة، كحال السلم والأمن.


٢) أن يوجد خوف والعدو في جهة القبلة: فيصفون كلهم خلف إمامهم، ويفعلون مثله، لكن يسجد معه الصف الأول فقط، ويبقى الصف الثاني قائما لئلا يباغتهم العدو حال سجودهم، فإذا نهضوا من السجدة الثانية سجد الصف الثاني، ثم تقدموا إلى الصف الأول، وتأخر الصف الأول، ثم يركعون كلهم مع الإمام ويرفعون، لكن يسجد معه الصف الأول فقط، فإذا جلس للتشهد سجد الصف الثاني سجدتين، ولحقوه في التشهد، ثم يسلم بهم جميعا، فالجميع صلى مع الإمام ركعتين، لكن كل صف سجد وحده مرة ثم لحق الإمام، ودل لهذه الحالة حديث جابر في [مسلم].


٣) أن يكون العدو في غير جهة القبلة: فلهذه خمس صفات، يراعون فيها الأيسر في حقهم، والأبلغ في الحراسة، والأحوط في الصلاة:

أ) أن يصلي الإمام بكل طائفة ركعة، يصلي أولا بالطائفة الأولى ركعة، ثم في الركعة الثانية يطيل القيام لكي تتم الطائفة التي معه الركعة الثانية وحدها ثم ينصرفون، وتأتي  الطائفة الثانية -وهو قائم لم يركع- فيصلي بها ركعة، ثم في التشهد يقومون فيقضون ركعة، ثم يسلم بهم، كما في حديث سهل بن أبي حثمة [الشيخان]، وقال بها الجمهور.

ب) أن يصلي أربع ركعات، كل طائفة تصلي معه ركعتين وتسلم منهما، فيكون الإمام صلى أربعا بسلام واحد، وهم ركعتين، كما في حديث جابر [الشيخان].

ج) أن يصلي بكل طائفة ركعتين ويسلم بهم، فيكون الإمام صلى مرتين، كما في حديث أبي بكرة [أبو داود].

د) أن يجعلهم فرقتين: فرقة تصلي معه، وأخرى أمام العدو، يصلي بالفرقة التي معه ركعة ثم تنصرف إلى مكان الفرقة الأخرى، وهي ما زالت في الصلاة، ثم تأتي الفرقة الأخرى إلى مكان الفرقة الأولى فتصلي مع الإمام الركعة الثانية ثم يسلم، وتقضي كل طائفة ركعة [الشيخان]، وقال بهذه الصفة أبو حنيفة.

هـ) أن يصلي بطائفة ركعة فتسلم وتذهب، ولا تقضي شيئا، وبالأخرى ركعة ولا تقضي شيئا، فيكون له ركعتان ولهم ركعة ركعة؛ لحديث ابن عباس [صححه ابن القيم].


٤) عند اشتداد الخوف والتحام الصفين: يصلون كيفما أمكنهم رجالا أو ركبانا إلى القبلة وغيرها حسب الطاقة؛ لآية: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}، وكذلك الهارب من عدو، أو سبع، أو حريق، أو سيل، أو الخائف من تخلفه عن رفقته.


٥) إذا اشتد الخوف تماما فلم يستطيعوا الإيماء: جاز تأخيرها، كما فعل الصحابة عند فتح مدينة تستر.


- لو زال الخوف أثناء صلاة الخوف لزمهم إتمامها كاملة، كصلاة الأمن، ولا يعيدون ما مضى؛ لأنه كان صحيحا قبل الأمن.


- للمصلي عند اشتداد الخوف الكرُّ والفر، والرمي، والطعن، وغيره.


- يجوز للحاجة حمل النجاسة أثناء صلاة الخوف، كأن يكون السلاح عليه دم نجس ويشق غسله، ولا إعادة عليه.


- يستحب للمقاتل حمل بعض السلاح في صلاته ليأخذ العدة، وهذا مذهب أبي حنيفة، وأحمد.

ويرى مالك والشافعي الوجوب؛ لآية: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم}.


- مع وجود الأذى كمطر ومرض: لا يجب حمل السلاح أثناء الصلاة بلا خلاف؛ لآية: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم}.


(باب صلاة الجمعة)

(الدرس الأول)

- صلاة الجمعة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع.

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}، وفي حديث ابن عمر: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين) [مسلم].

ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها فرض عين على الأحرار البالغين المقيمين الذين لا عذر لهم.

وسميت الجمعة: لاجتماع خلق آدم فيه، واختاره ابن حجر.


- تجب صلاة الجمعة بخمسة شروط:

٣،٢،١) الإسلام، والعقل، والبلوغ، وهي شروط لوجوب كل عبادة.


٤) كونه ذكرا؛ لأن صلاة الجمعة لا تجب على النساء بالإجماع، نقله ابن المنذر، ولحديث طارق بن شهاب: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض) [البيهقي: مرسل جيد].


٥) كونه حرا، فلا تجب على العبد؛ لحديث طارق السابق، هذا المذهب.

وقيل: بل تجب الجمعة على العبد؛ لعمومات النصوص، وهي رواية عن أحمد، اختارها السعدي.

واختار ابن عثيمين أنها تجب عليه إن أذن له سيده، وهي رواية في المذهب.


- المسافر لا تلزمه الجمعة؛ لأن النبي ﷺ كان يسافر معه المئات ولم يكونوا يصلون الجمعة، بل يصلون ظهرا قصرا.

لكن إن كان المسافر نازلا في البلد غير مارّ، ولا سائر، وسمع النداء، فالمشروع له إجابة النداء؛ لحديث عبد الله بن عمرو: (الجمعة على كل من سمع النداء) [ابن رجب: الحديث موقوفا أشبه]، وهذا المذهب، وبه أفتى ابن باز. ولو صلاها قصرا مع رفقته جاز.


- إذا نودي للجمعة فللمقيم حالان: 

١) أن يكون داخل البلد: فيلزمه شهود الجمعة، ولو لم يسمع النداء؛ لأن البلد كالشيء الواحد.


٢) أن يكون خارج البلد: فيلزمه شهود الجمعة إذا كان يمكنه سماع المؤذن إذا كانت الرياح ساكنة والعوارض منتفية، وإن لم يسمعه فلا.


- الذين لا تلزمهم صلاة الجمعة، كالمرأة، والمسافر، لو صلوها جمعة مع المقيمين أجزأتهم عن الظهر، بالإجماع، نقله ابن المنذر.


- تصح صلاة الجمعة للمقيمين خلف المسافر، عند الجمهور، واختاره ابن تيمية، خلافا للمذهب؛ لأن من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره.


(الدرس الثاني)

- شروط صحة صلاة الجمعة أربعة:

١) الوقت، بلا خلاف، لكن اختلفوا في دخوله:

أ) المذهب: من أول وقت صلاة العيد، من ارتفاع الشمس قِيد رمح إلى آخر وقت صلاة الظهر؛ لحديث التابعي عبد الله بن سيدان السلمي، قال: (شهدت مع أبي بكر خطبته وصلاته فكان ينصرف قبل أن ينتصف النهار، ثم شهدت مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد انتصف النهار ، ثم شهدت عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: زال النهار) [ضعيف]، والأفضل بعد الزوال.


ب) الجمهور: وقت الجمعة يدخل بعد الزوال كالظهر؛ لحديث أنس: (أن النبي ﷺ كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس) [البخاري].

فقول الجمهور أرجح، لكن يجوز أن تصلى قبيل الزوال بمدة قصيرة؛ لحديث سلمة بن الأكوع: (كنا نصلي مع رسول الله ﷺ الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به) [الشيخان]، وحديث جابر: (كان يصلي -النبي ﷺ-، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس) [مسلم].


٢) ويشترط لصحة صلاة الجمعة: الاستيطان، أي: لا يظعنون عن مكانهم مطلقا، إلا لحاجة عارضة كما يحصل لأهل المدن، بخلاف المسافرين، والبدو الرحل، وهذا مذهب الأكثر؛ لأن النبي ﷺ لا يصلي الجمعة في السفر، ولم يأمر القبائل في البادية بإقامة الجمعة، لكن تقام الجمعة في القرى؛ لحديث ابن عباس: (إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله ﷺ في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين) [البخاري].

وتصح الجمعة فيما قارب البنيان من الصحراء؛ لأن أسعد بن زرارة (أول من جمع في حرة بني بياضة) [حسنه الألباني]، وهي على ميل من المدينة.


٣) يشترط لصحة صلاة الجمعة: العدد، واختلفوا في تحديده:

أ) المذهب: يشترط أربعون رجلا يكونون بالغين مستوطنين، واستدلوا بأدلة لا يصح منها شيء، منها: قول جابر: (مضت السنة أن في كل أربعين فصاعدا جمعة).


ب) ثلاثة رجال: واحد إمام، واثنان معه جماعة؛ لأن الله قال: {فاسعوا إلى ذكر الله} بصيغة الجمع، وأقل الجمع ثلاثة، ولحديث أبي الدرداء: (ما من ثلاثة في قرية ولا في بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة) [حسنه الألباني]، وهذا رأي ابن تيمية، وابن عثيمين.


٤) الشرط الأخير لصحة الجمعة:

تقدم خطبتين، عند عامة العلماء؛ لأنه ﷺ واظب على الخطبة، ولم يتركها مطلقا، ومن تركها صلى ظهرا، ولا تجزئ خطبة واحد عند الجمهور؛ لحديث ابن عمر: (كان النبي ﷺ يخطب خطبتين يقعد بينهما) [الشيخان].


(الدرس الثالث)

- شروط صحة خطبة الجمعة خمسة:

١) الوقت، أي: تكون الخطبة في وقت صلاة الجمعة؛ لأنها تابعة لها، فتأخذ حكمها في الوقت، ولأنها بدل الركعتين فيجب كونها في وقت الصلاة.


٢) النية، بأن ينوي أنها خطبة الجمعة؛ لأنها عبادة مخصوصة فلا بد من تعيينها.


٣) وقوع الخطبة حضرا، فلو خطبوا في السفر وصلوها جمعة فلا يصح؛ لأن من شروط الجمعة الاستيطان، إلا إن كان المسافر الخطيب وحده والجماعة مقيمين فيصح -على الراجح-؛ لأن إمامة المسافر بالمقيمين في الجمعة صحيحة، والخطبة مثلها.


٤) حضور الأربعين، أي: من أهل وجوب الجمعة شرط لصحة صلاة الجمعة والخطبة، هذا المذهب.

والراجح: يكفي ثلاثة نفر، كما رجحه ابن تيمية.


٥) أن تكون الخطبتان ممن تصح إمامته في الجمعة، فلا تصح خطبة المسافر والعبد؛ لعدم صحة إمامتهم فيها.

والراجح: صحة صلاة وخطبة هؤلاء؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته إلا لدليل.


- أركان خطبة الجمعة ستة، لا تصح إلا بها -على المذهب-:

١) حمد الله؛ لحديث: (كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم) [ضعيف]، ويرى الجمهور أن البدء بالحمد مستحب وليس ركناً؛ لأن ما نقل فعل، والفعل يدل على الاستحباب، واختاره السعدي، وهو الأظهر.


٢) والصلاة على رسول الله، واختار ابن القيم، وابن عثيمين، أنها مشروعة وليست ركناً؛ لعدم الدليل.


٣) وقراءة آية من كتاب الله؛ لحديث جابر بن سمرة: (كانت للنبي ﷺ خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن، ويذكر الناس) [مسلم].

والصحيح: أنها سنة؛ لأن الفعل النبوي لا يدل على الوجوب، واختاره السعدي.


٤) والوصية بتقوى الله، ويرى طائفة أن لفظ التقوى لا يتعين.


٥) وموالاتهما مع الصلاة؛ لأن النبي ﷺ كان يوالي بينهما، فلو فصل بين الصلاة والخطبة بفاصل طويل لم تصح.


٦) والجهر بحيث يُسمع العدد المعتبر حيث لا مانع؛ لأن المقصود من الخطبة وعظ المصلين وتذكيرهم؛ لأن النبي ﷺ كان (إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: (صبحكم ومساكم)) [مسلم].

والأظهر أن الستة المذكورة من مكملات الخطبة وأركانها؛ لعدم الدليل على الركنية.


(الدرس الرابع)

- لخطبة الجمعة إحدى عشرة سُنَّة:


١) الطهارة أثناء الخطبة؛ لما فيها من الأذكار والقرآن، ولئلا يخرج للوضوء بين الخطبة والصلاة.


٢) ستر العورة، أي: الزائدة عن ستر ما بين السرة إلى الركبة؛ لأنه من الزينة، أما ما بين السرة إلى الركبة فهو واجب.


٣) إزالة النجاسة عن البدن والثوب؛ لأن القادم للجمعة مأمور بالاغتسال.


٤) الدعاء للمسلمين فيها؛ لأنها ساعة ترجى فيها الإجابة.


٥) أن يتولى الخطبتين والصلاة شخص واحد، كما كان النبي ﷺ يفعل.


٦) رفع الصوت بالخطبتين؛ لحديث جابر: أن النبي ﷺ (إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته) [مسلم].


٧) أن يخطب قائما؛ لأنه هدي النبي ﷺ كما في حديث جابر بن سمرة: (كان النبي ﷺ يخطب قائما) [مسلم]، قال تعالى: {وتركوك قائما}.


٨) أن يخطب على مرتفع؛ لأن النبي ﷺ كان يخطب على منبر، وفي حديث سهل بن سعد أنه كان منبره ﷺ ثلاث درجات ليراه الناس ويسمعوا خطبته [مسلم].


٩؛ الاعتماد على عصا؛ لحديث الحكم بن حزن أنهم وفدوا على النبي ﷺ قال: (شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله ﷺ، فقام متوكئا على عصا، أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه، كلمات خفيفات طيبات مباركات) [حسنه الألباني].

أما الاعتماد على سيف فغير محفوظ عن النبي ﷺ كما قرره ابن القيم، لكنهم ألحقوه بالقوس.


١٠) الجلوس بين الخطبتين قليلا؛ لحديث (كان يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم). فإن لم يجلس فليفصل بينهما بسكوت.

 ويرى الشافعي وجوب هذه الجلسة، وأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين مفصولتين.


١١) قصرُ الخطبتين، والثانية أقصر؛ لحديث عمار: (إن طول صلاة الرجل وقِصر خطبته مئنة من فقهه) [مسلم].


- لا بأس أن يخطب الخطيب من صحيفة، أو الأجهزة الحديثة.


(الدرس الخامس)

- يحرم الكلام والإمام يخطب، إن كان يسمع كلامه؛ لحديث أبي هريرة: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) [الشيخان]، أي: فاتك فضل الجمعة، وهي مجزئة، كما يقول ابن باز.

لكن تباح الإشارة أمرا بالمعروف أو نهيا عن المنكر، ويباح الكلام لضرورة، كتحذير أعمى.

ويباح الكلام أيضاً بين الخطبتين؛ لأن الكلام نُهي عنه حال الخطبة.

وكذلك -على المذهب- يباح الكلام إذا شرع الخطيب في الدعاء آخر الخطبة؛ لأن الدعاء ليس من أركانها.

والأقرب: المنع من ذلك؛ لعموم الحديث السابق، وهذا اختيار ابن عثيمين.


- إقامة الجمعة أو العيد في أكثر من موضع من البلد حرام إلا لحاجة؛ للهدي النبوي، وفعل الخلفاء، وفيه جمع للكلمة.

والحاجة لها ثلاث صور:

١) الضيق؛ بسبب الزحام، فلهم بناء جامع جديد.

٢) البعد؛ لسعة البلد، فيجوز تعدد الجمعة.

٣) خوف الفتنة، كوجود شحناء.

والدليل: أن عليا لما صلى العيد بالناس في الصحراء بالكوفة، وكّل من يصلي بضعفة الناس في المسجد، وهذا رأي ابن تيمية.


- إذا تعددت الجمعة لغير حاجة فالتي مع إمام المسلمين أو التي أذن فيها أو الأسبق صحيحة، والأخرى باطلة، فإن لم يعلم الأسبق منهما فكلاهما باطلة، ويلزمهم صلاتها ظهرا، هذا المذهب.

والأظهر: أن صلاتهم صحيحة، حتى لو كان التعدد بلا عذر، وهذا اختيار السعدي.


(الدرس السادس)

- الجمعة لا يدركها المأموم إلا بإدراك ركعة مع الإمام، ومن لم يدرك ركعة صلاها ظهرا أربع ركعات؛ لحديث أبي هريرة: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) [الشيخان]، وهذا مذهب الجمهور، خلافا لأبي حنيفة، ودليله: إطلاق حديث أبي هريرة: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) [الشيخان]، والراجح الأول؛ لأنه مؤيد بآثار عن الصحابة.


- أقل السنة بعد الجمعة:

١) قيل: إن صلى في بيته صلى ركعتين؛ لحديث ابن عمر: (أن النبي ﷺ كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته).

وإن صلاها في المسجد فأربع ركعات؛ لحديث أبي هريرة: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا) [مسلم]، واختار هذا ابن تيمية.

٢) وقيل: يصلي مرة اثنتين، ومرة أربعا؛ لأن هذا اختلاف تنوع، ومال لهذا ابن عثيمين.


- التنفل قبل صلاة الجمعة:

ليس له حد، بل يصلي ما شاء؛ لحديث أبي هريرة: (من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قُدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام) [مسلم]، واختاره ابن تيمية.


- يسن قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة؛ لحديث أبي سعيد: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق) [موقوف].


- يسن للإمام قراءة سورتي السجدة والإنسان فجر الجمعة؛ لحديث أبي هريرة: (أن النبي ﷺ كان يقرأ في الصبح يوم الجمعة بـ{ألٓم تنزيل} في الركعة الأولى، وفي الثانية: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} [الشيخان]، ويكره المداومة على ذلك على المذهب.


(الدرس السابع)

- ساعة الإجابة في الجمعة:

أرجح الأقوال في تحديدها قولان:

١) قيل: إنها من جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة؛ لحديث أبي موسى قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة) [مسلم]، ومال إليه النووي وابن رجب.

٢) وقيل: إنها من بعد العصر؛ لحديث جابر: (يوم الجمعة ثنتا عشرة -يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئا، إلا أتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) [صححه الألباني]، وقال بهذا القول أبو هريرة، ورجحه الإمام أحمد، وابن باز.


- إذا وافق العيد يوم الجمعة:

فالسنة دلت على أن من صلى العيد لم يجب عليه حضور الجمعة، فإن لم يحضر صلاها ظهرا، وعلى الإمام إقامة الجمعة ليأتيها من لم يحضر العيد؛ لحديث أبي هريرة: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون) [مرسل]، ورجحه ابن باز.

ومن قال بأن صلاة العيد تُسْقط حتى الظهر فقد غلط، وما روي عن ابن الزبير اجتهاد منه، ولعله صلاها في البيت.


- الاغتسال للجمعة:

سنة مؤكدة عند الجماهير؛ لحديث أبي سعيد: (الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيبا إن وجد) [الشيخان].


- يسن التبكير للجمعة؛ لحديث أبي هريرة: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) [الشيخان].


- أول ساعات الرواح للجمعة:

تبدأ من بعد طلوع الشمس؛ لأنه قبل ذلك وقت السعي لصلاة الفجر، وهذا مذهب الحنفية.

وقيل: من بعد طلوع الفجر؛ إذ الغسل يبدأ من بعد طلوع الفجر، والرواح مثله، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة.


- حجز المكان في المسجد له أحوال:

١) أن يحجز وهو خارج المسجد، يأمر من يضع له سجادة، فهذا حرام بالاتفاق كما يقول ابن تيمية.


٢) أن يحجز ويجلس في محل آخر من المسجد، للقراءة -مثلا-، فهذا جائز، لأنه ما زال في المسجد.


٣) أن يحجز ويخرج من المسجد، إن كان لغير عذر فلا يجوز، ويجوز لعذر ولو طال الفصل، كما رجحه ابن عثيمين، خلافا للمذهب.


(باب صلاة العيدين)

(الدرس الأول)

- ذكر المؤلف (صاحب دليل الطالب) أحكام صلاة العيدين بعد الجمعة لاشتراكهما في أحكام كثيرة.


- العيد لغة:

اسم لما يعود ويتكرر مرة بعد مرة.

وشرعا:

يوم الفطر، والأضحى.

والأعياد في الإسلام ثلاثة:

عيد الفطر، والأضحى، والجمعة.

وما سواها فهو بدعي.


- صلاة العيد مشروعة بالإجماع، كما نقله ابن حزم؛ لأن الشرع أمر بها، وداوم الرسول ﷺ وخلفاؤه عليها. وهي فرض كفاية -على المذهب-، وليست فرض عين؛ لأنها لا يشرع لها أذان ولا إقامة.


ويرى أبو حنيفة -واختاره ابن تيمية وابن عثيمين- أنها فرض عين على الرجال؛ لآية: {فصل لربك وانحر}، ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة.


- شروط صحة صلاة العيدين كشروط الجمعة ما عدا الخطبتين، والشروط هي:

١) الوقت، والصحيح أنه ليس كوقت الجمعة.

٢) العدد، فيشترط أربعون، والصحيح عدم اشتراطه.

٣) الاستيطان.

٤) الخطبتان، شرط في الجمعة، وسنة في العيد؛ لأنه لا يجب الحضور لصلاة الجمعة، هذا المذهب.

ويرى بعض العلماء أنها واجبة على الإمام؛ لمداومة النبي ﷺ عليها.


- مكان صلاة العيد:

يسن كونها في الصحراء؛ إظهارا لهذه الشعيرة، ولحديث أبي سعيد: أن النبي ﷺ (كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس) [الشيخان].

إلا إن وجدت مشقة فلا بأس بصلاتها في المساجد.

وتصلى في المسجد الحرام؛ لأن فيه الكعبة قبلة المسلمين، ولمشقة الخروج في مكة.


- يكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها قبل مفارقة المصلى؛ لحديث ابن عباس أن (النبي ﷺ صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها) [الشيخان]، وهذا قول مالك، وأحمد.


(الدرس الثاني)

- وقت صلاة العيد كوقت صلاة الضحى: من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، إلى الزوال، وهذا مذهب الجمهور؛ لحديث عبد الله بن بسر: (أنه خرج مع الناس يوم فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إن كنا لقد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح) [صححه الألباني]، وقوله: (حين التسبيح) أي: حين حل النافلة، وذلك بعد ارتفاع الشمس.

فإن لم يُعلم بالعيد إلا بعد الزوال صلوا من الغد قضاء؛ لحديث أبي عُمير بن أنس بن مالك قال: (حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: أُغمي علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند النبي ﷺ أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله ﷺ أن يفطروا، وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد) [صححه الألباني].


- الأفضل في أداء صلاة العيد:

١) تعجيل صلاة عيد الأضحى أول وقتها ليبادروا لذبح الأضحية.

٢) وتأخير صلاة عيد الفطر قليلا ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر.


- أحوال قضاء الصلاة ثلاثة:

١) نوع يقضى بعد زوال العذر، ولو في غير وقته، كالصلوات الخمس.

٢) نوع لا يقضى، بل يصار إلى بدله، كالجمعة إذا فاتت تصلى ظهرا.

٣) نوع لا يقضى إلا في وقته، ولو في غير يومه، كصلاة العيد، فإنها تصلى في وقتها من اليوم الثاني.


- من السنن المشروعة في العيدين:

١) تبكير المأموم إليها، كان ابن عمر (يصلي في مسجد رسول الله ﷺ ثم يخرج إلى المصلى) [ابن أبي شيبة].


٢) تأخر الإمام إلى وقت الصلاة؛ لأن النبي ﷺ (كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة).


٣) الرجوع من طريق آخر؛ لحديث جابر: (كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيد خالف الطريق) [البخاري]، والحكمة: إظهار الشعائر، وشهادة الطريقين.


٤) الذهاب لصلاة العيد مشيا إن تيسر إلا من عذر؛ لحديث ابن عمر: (كان رسول الله ﷺ يخرج إلى العيد ماشيا، ويرجع ماشيا) [ضعيف].


٥) التزين ولبس أحسن الثياب؛ لأن عمر رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: (يا رسول الله لو اشتريت هذه، فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك) [الشيخان].


٦) الغسل يوم العيد؛ لوروده عن الصحابة.


٧) الاشتغال بالتكبير إلى مصلى العيد ورفع الصوت به؛ لعموم: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}، وهذا قول مالك، وأحمد.


٨) الخروج بالنساء والصبيان ليشهدوا الخير ودعوة المسلمين؛ لحديث أم عطية: (أمرنا أن نخرج الحُيّض يوم العيدين، وذوات الخدور، فيشهدن جماعة المسلمين...) [الشيخان].



(باب صلاة الكسوف)

(الدرس الأول)

- هي صلاة ذات صفة مخصوصة تُشرع عند احتجاب ضوء أحد النّيرين بسبب غير معتاد.


- صلاة الكسوف سنة مؤكدة عند الأئمة الأربعة؛ لحديث عائشة: (فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى الصلاة) [الشيخان].

وقيل: فرض كفاية؛ لأمر الرسول ﷺ، وقواه ابن القيم.


- لا يشرع لصلاة الكسوف خطبة؛ لأن النبي ﷺ لم يخطُب إلا لتصحيح خطأ القول بأن الكسوف بسبب موت أحد، وليس لذات الكسوف، وهذا مذهب الجمهور.                                              ويرى الشافعي أن خطبة الكسوف مشروعة؛ لحديث أسماء: (أن رسول الله ﷺ خطب لها) [الشيخان]، فيخطب خطبة واحدة قصيرة من غير صعود للمنبر، ويعظ بما يناسب الحال، وهذا اختيار ابن تيمية، وابن عثيمين.


- وقت صلاة الكسوف: 

- من بدء الكسوف حتى ينجلي؛ لحديث المغيرة بن شعبة: (فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي) [الشيخان].


- إذا فاتت صلاة الكسوف بخروج وقتها لم يشرع قضاؤها باتفاق الأئمة؛ لأن كل عبادة مقرونة بسبب تزول بزواله.


- صفة صلاة الكسوف:

يكبر للإحرام، ثم يقرأ الفاتحة، وسورة طويلة جَهْرًا (حتى في النهار لأنها صلاة يجتمع فيها الناس خلافا للجمهور)، ثم يركع ويطيل، ثم يرفع رأسه ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعا طويلا، ثم يرفع رأسه ويقول الذكر الوارد بعد الركوع، ويثني على الله بما هو أهله، ثم يسجد سجدتين يطيل فيهما، ثم يقوم ويقرأ الفاتحة وسورة بعدها، ثم يركع ويطيل، ثم يرفع رأسه، ثم يقرأ الفاتحة وسورة بعدها، ثم يركع، ثم يرفع رأسه، ثم يسجد سجدتين ويسلم.


كما ورد لصلاة الكسوف صفات أخرى:

- ركعتان كالنافلة المعتادة [أبو داود].

- في كل ركعة ثلاثة ركوعات [مسلم].

- في كل ركعة أربعة ركوعات [مسلم].

- في كل ركعة خمسة ركوعات [ضعيف].

وهناك مسلكان مع اختلاف الصفات:

1. مسلك الجمع، فكلها يجوز العمل بها، فيختار الإمام بينها، وهو المذهب.

2. مسلك الترجيح، فكلها غلط إلا ما في حديث عائشة (في كل ركعة ركوعان)، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، واختاره ابن تيمية. ويؤيد هذا أن الكسوف لم يقع إلا مرة واحدة في عهد النبي ﷺ ولم يصلها إلا مرة واحدة.


- الركعة في صلاة الكسوف تدرك بالركوع الأول لا الثاني؛ لأن الأول هو الركوع الأصلي، وما بعده سنة.


(الدرس الثاني)

- صلاة الكسوف في أوقات النهي: الراجح: أنها تصلى في أوقات النهي؛ لأن عموم النهي عن الصلاة في أوقات النهي مخصوص بذوات الأسباب، فتباح فيها؛ لحديث: (فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى الصلاة)، وهذا مذهب الشافعي، واختيار ابن تيمية.


- إذا غابت الشمس كاسفة، أو القمر خاسفا، ولم يشرعوا بالصلاة فإنها تسقط؛ لأن وقت الانتفاع ذهب، فنرجع للأصل وهو عدم الكسوف. ولو غابت بعد شروعهم في الصلاة أتموها خفيفة.


- تشرع صلاة الكسوف جماعة وفرادى في السفر والحضر، ولا يشترط لها إذن الإمام؛ لعموم: (فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى الصلاة)، ولأنها نافلة أشبهت سائر النوافل، وهذا مذهب الجمهور.


- تشرع صلاة الكسوف في حق النساء؛ لأن أسماء وعائشة صلينها مع النبي ﷺ، فيشرع لهن شهود صلاة الكسوف مع الإمام، فإن لم تصل المرأة مع الإمام صلتها في بيتها وحدها؛ لأنه لا يشترط لها جماعة.


- يسن أن ينادى لصلاة الكسوف بقول: (الصلاة جامعة)؛ لحديث ابن عمرو: (لما كسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ نودي إن الصلاة جامعة) [الشيخان]. وهذه الجملة تكرر بقدر ما يغلب على الظن أن الناس تبلغوا.


- هل تشرع صلاة الكسوف لغير الكسوف من الآيات، كالزلازل، والبراكين، والرياح الشديدة؟

المذهب: أنها تصلى للزلزلة دون ما سواها من الصواعق والرياح؛ لأن ابن عباس (صلى في الزلزلة بالبصرة، فأطال القنوت، فلما فرغ قال: هكذا صلاة الآيات) [صححه ابن حجر]، وفعل الصحابي حجة إذا لم يخالفه غيره.

وقيل: لا يصلى لغير الكسوف؛ لعدم الدليل، وهذا مذهب مالك، والشافعي.

وقيل: يصلى لكل آية خارجة عن المعتاد من صواعق، ورياح، وبراكين، ونحوها؛ لعموم: (إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده)، وهذا مذهب أبي حنيفة، واختيار ابن تيمية.


- تشرع الصدقة عند الكسوف لدفع هذا البلاء؛ لحديث: (فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله، وكبروا، وصلوا، وتصدقوا).


- ذكر ابن تيمية أن الكسوف لا يحصل إلا في أيام الاستسرار، وهي يوما (٢٩،٢٨) من الشهر؛ لأن سببه حيلولة القمر بيننا وبين الشمس.  

والخسوف لا يحصل إلا في أيام الإبدار؛ لأن سببه حيلولة الأرض بين القمر والشمس، وهذا يكون في الإبدار.


- قد نعلم بالكسوف قبل وقوعه بالحساب، ويبقى آية يخوف الله بها عباده، ولا نصلي بمجرد الإخبار حتى نراه رؤية عادية؛ لحديث: (فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى الصلاة).


(باب صلاة الاستسقاء)

(الدرس الأول)

- الاستسقاء:

هو التعبد لله -عز وجل- بطلب سقيا المطر على صفة مخصوصة.


- صلاة الاستسقاء سنة عند حاجتها بالإجماع كما نقله ابن عبد البر؛ لثبوتها عن النبي ﷺ وخلفائه، وفي حديث عبد الله بن زيد: (خرج رسول الله ﷺ يوما يستسقي، فجعل إلى الناس ظهره، يدعو الله، واستقبل القبلة، وحوّل رداءه، ثم صلى ركعتين) [الشيخان].


- وقت صلاة الاستسقاء وصفتها وأحكامها كصلاة العيد.

أما وقتها فالأولى أن تكون أول النهار؛ لأن (رسول الله ﷺ خرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر) [حسنه الألباني]، وهذا للندب لا للوجوب، فيجوز إقامتها سائر النهار إلا أوقات النهي فتمنع بلا خلاف؛ لأنها لا تفوت، والأولى عدم فعلها في الليل؛ لأن الهدي الوارد صلاتها نهارا لا ليلا، وجمع الناس ليلا شاق.

وأما صفتها فيكبر في الأولى سبعا، وفي الثانية خمسا، وكونها في المصلى؛ لقول ابن عباس: (فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين) [حسنه الألباني]، ونقل ابن رجب الإجماع على إقامتها في المصلى، ولو صلوها في المساجد لصحت.


- الاستسقاء له ثلاث أحوال:

1. أن يكون في صلاة الاستسقاء، وهذا ثابت من حديث عبد الله بن زيد [الشيخان]، وهو مذهب الجمهور خلافا للحنفية.


2. أن يكون في خطبة جمعة، وهذا مشروع عند ورود سببه؛ لحديث أنس أن رجلا دخل ورسول الله ﷺ قائم يخطب، فاستقبل رسول الله ﷺ قائما، ثم قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع رسول الله ﷺ يديه، ثم قال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) [الشيخان].

وإذا استسقى رفع يديه لحديث أنس أن (النبي ﷺ كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يُرى بياض إبطيه) [الشيخان].


3. أن يكون الدعاء في غير صلاة، وهذا جائز؛ لحديث جابر: أتت النبي ﷺ بواكي، فقال: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريئا مريعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل)، قال: فأطبقت عليهم السماء [أعله الدارقطني بالإرسال].


- آداب الاستسقاء:

1. ينبغي للإمام إذا أراد الخروج للصلاة وعظُ الناس، وأمرهم بالتقوى، ورد المظالم.


2. تحديد يوم للخروج فيه للصلاة.


3. أن يكون الخروج أول النهار.


4. أن يخرج متواضعا متبذلا مترسلا متضرعا.


5. أن يتنظف لها لقطع الرائحة الكريهة. لكن لا يتطيب لأنه يوم سكينة وافتقار.


6. أن تكون الصلاة في المصلى.


7. أن يخرج معه أهل الدين والصلاح، والشيوخ. ويباح خروج الأطفال والعجائز، أما البهائم فلم ينقل تقصد إخراجها.


8. حث الصالحين على الدعاء والإلحاح على الله عز وجل، كما فعل عمر مع العباس، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس فقال: (اللهم إنَّا كنّا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، قال: فيسقون [البخاري]، والحث على الدعاء من التوسل المشروع، أما التوسل بالذوات فهو ممنوع.


9. الاجتهاد في الدعاء وكثرة الاستغفار، كان عمر إذا خرج يستسقي لم يزل يقول: (اللهم اغفر لنا إنك كنت غفارا) حتى يأتي المصلى.


(الدرس الثاني)

- صلاة الاستسقاء قبل الخطبة؛ لحديث أبي هريرة: (صلى ركعتين، ثم خطبنا) [ضعفه الألباني]، وهذا مذهب الجمهور، واختيار ابن عثيمين.

وقيل: الخطبة قبل الصلاة؛ لحديث عائشة: (فخرج رسول الله ﷺ حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر، وحمد الله عز وجل) [حسنه الألباني].

والراجح: جواز الأمرين؛ لأن حديث أبي هريرة معلول، وحديث عائشة غير صريح، وهذه رواية عن أحمد.


- السنة أن تكون خطبة الاستسقاء واحدة، ولم ينقل جلوس النبي ﷺ أثناءها؛ ولأن المقصود الدعاء والاستغفار، وهذا مذهب أحمد.


- تُفتتح خطبة الاستسقاء بالتكبير كخطبة العيد، هذا المذهب.

والراجح: البدء بالحمد؛ لأن النبي ﷺ كان يفتتح جميع خطبه بالحمد، وهذا مذهب مالك، واختيار ابن تيمية.


- من آداب صلاة الاستسقاء:

1. أن يكثر فيها الخطيب من الاستغفار، وقراءة آيات فيها الأمر به؛ لقول ابن عباس: (ولم يخطب خطبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير) [حسنه الألباني].


2. ويرفع يديه وظهورُهما نحو السماء، حال الدعاء، وكذلك المأمومون؛ لحديث أنس: (كان النبي ﷺ لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه)، وهذا مذهب مالك، وأحمد.


- ورد لرفع اليدين في الاستسقاء عدة صفات:

1. أن يجعل بطونهما إلى السماء، كما في حديث أنس [البخاري].


2. أن يجعل ظهورهما إلى القبلة، وبطونهما إلى وجهه [صححه الألباني].


3. أن يقلب الكفين ويجعل ظهورهما إلى السماء وبطونهما للأرض، وفي حديث أنس: (أن النبي ﷺ استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء) [مسلم].

وقيل في معناه: يجعل ظهورها إلى السماء ابتداء، وقال به مالك، ورجحه ابن رجب.

وقيل: لشدة رفعهما واجتهاده في الدعاء كان الرائي يرى ظهورها نحو السماء، وهذا اختيار ابن تيمية، وابن عثيمين.


4. الإشارة بإصبع واحدة إلى السماء؛ لحديث سعد في الطبراني [ضعيف].


- يستقبل الخطيب القبلة أثناء خطبته فيقول سرا: اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، وإن قال غيره فله ذلك؛ لأنه لم تثبت فيه صفة مرفوعة للنبي ﷺ. ثم يحول رداءه، ودليل مشروعية الدعاء وتحويل الرداء: حديث عبد الله بن زيد قال: (فحوّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه) [البخاري].

والحكمة من تحويل الرداء: التفاؤل بتحول الحال من الجدب إلى الخصب.


- إن استمر القحط ولم ينزل المطر بعد الاستسقاء فعليهم تكراره؛ لأنه دعاء، وهذا مذهب الجمهور.


- يُسن الوقوف في أول المطر، والوضوء والاغتسال منه، وإخراج رحله وثيابه ليصيبها، قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطر، قال: فحسر رسول الله ﷺ ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لمَ صنعت هذا؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه تعالى) [مسلم].

وكان ابن عباس يقول لغلامه إذا أمطرت: (أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر، فقال أبو الجوزاء لابن عباس: لم تفعل هذا يرحمك الله؟ فقال: أما تقرأ كتاب الله: {ونزلنا من السماء ماء مباركا} فأحب أن يصيب البركة فراشي ورحلي) [البيهقي].


- يسن عند الخوف من زيادة المطر قول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.


- يسن قول: مطرنا بفضل الله ورحمته، ويحرم قول: بنوء كذا.


- تنبيه: المرجع: زاد الراغب شرح دليل الطالب، للشيخ أحمد الصقعوب.

- تنبيه آخر: حقوق الطبع لكل مسلم.

"الدعاء عطاء".❤️