الثلاثاء، 10 فبراير 2015

أمُّ سلمة ج(١)

أم سلمة، وما أدراك ما أم سلمة؟!
أما أبوها فسيد من سادات مخزوم المرموقين، وجوادٌ من أجود العرب المعدودين؛ حتى إنه كان يقال له: ( زاد الراكب )؛ لأن الركبان كانت لا تتزود إذا قصدت منازله أو سارت في صحبته.

وأما زوجها فعبدالله بن عبد الأسد أحد العشرة السابقين إلى الإسلام؛ إذ لم يسلم قبله إلا أبو بكر الصديق ونفر قليل لا يبلغ أصابع اليدين عددًا.

وأما اسمها فهند، لكنها كنيت بأم سلمة، ثم غلبت عليها الكنية.

أسلمت أم سلمة مع زوجها فكانت من السابقات إلى الإسلام أيضًا.

وما أن شاع نبأ إسلام أم سلمة وزوجها حتى هاجت قريش وماجت، وجعلت تصب عليهما من نكالها ما يزلزل الصم الصلاب، فلم يضعفا ولم يهنا ولم يترددا.

ولما اشتد عليهما الأذى وأذن الرسول صلوات الله وسلامه عليه لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة كانا في طليعة المهاجرين.

مضت أم سلمة وزوجها إلى ديار الغربة وخلفت وراءها في مكة بيتها الباذخ، وعزها الشامخ، ونسبها العريق، محتسبةً ذلك كله عند الله، مستقلةً له في جنب مرضاته.

وعلى الرغم مما لقيته أم سلمة وصحبها من حماية النجاشي نضر الله في الجنة وجهه، فقد كان الشوق إلى مكة مهبط الوحي، والحنين إلى رسول الله مصدر الهدى يفرى كبدها، وكبد زوجها فريًا.

ثم تتابعت الأخبار على المهاجرين إلى أرض الحبشة بأن المسلمين في مكة قد كثر عددهم، وأن إسلام حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب قد شد أزرهم، وكف شيئا من أذى قريش عنهم، فعزم فريق منهم على العودة إلى مكة، يحدوهم الشوق، ويدعوهم الحنين..

فكانت أم سلمة وزوجها في طليعة العائدين
******

لكن سرعان ما اكتشف العائدون أن ما نمي إليهم من أخبار كان مبالغاً فيه، وان الوثبة التي وثبها المسلمون بعد إسلام حمزة وعمر، قد قوبلت من قريش بهجمةٍ أكبر.

فافتن المشركون في تعذيب المسلمين، وترويعهم، وأذاقوهم من بأسهم ما لا عهد لهم به من قبل.

عند ذلك أذن الرسول صلوات الله عليه لأصحابه بالهجرة إلى المدينة، فعزمت أم سلمة وزوجها على أن يكونا أول المهاجرين فرارًا بدينهم وتخلصًا من أذى قريش.

لكن هجرة أم سلمة وزوجها لم تكن سهلة ميسرة كما خيل لهما، وإنما كانت شاقةً مرةً خلفت وراءها مأساة تهون دونها كل مأساة.

فلنترك الكلام لأم سلمة لتروي لنا قصة مأساتها..

فشعورها بها أشد وأعمق، وتصويرها لها أدق وأبلغ.
قالت أم سلمة:
لما عزم أبو سلمة على الخروج إلى المدينة أعد لي بعيراً، ثم حملني عليه، وجعل طفلنا سلمة في حجري، ومضى يقود بنا البعير وهو لا يلوي على شيء.

وقبل أن نفصل عن مكة رآنا رجال من قومي بني مخزوم فتصدوا لنا، وقالوا لأبي سلمة: إن كنت قد غلبتنا على نفسك، فما بال أمرأتك هذه؟!
وهي بنتنا، فعلام نتركك تأخذها منا وتسير بها في البلاد؟!
ثم وثبوا عليه، وانتزعوني منه انتزاعا.

وما إن رآهم قوم زوجي بنو عبد الأسد يأخذونني أنا وطفلي، حتى غضبوا أشد الغضب، وقالوا:
لا والله لا نترك الولد عند صاحبتكم بعد أن انتزعتموها من صاحبنا انتزاعاً..
فهو ابننا ونحن أولى به.
ثم طفقوا يتجاذبون طفلي سلمة بينهم على مشهد مني حتى خلعوا يده وأخذوه.
وفي لحظات وجدت نفسي ممزقة الشمل وحيدة فريدة:
فزوجي اتجه إلى المدينة فراراً بدينه ونفسه.. وولدي اختطفه بنو عبد الأسد من بين يدي محطماً مهيضاً..

أما أنا فقد استولى علي قومي بنو مخزوم، وجعلوني عندهم..

ففُرق بيني وبين زوجي وبين ابني في ساعة.
ومنذ ذلك اليوم جعلت اخرج كل غداةٍ إلى الأبطح، فأجلس في المكان الذي شهد مأساتي، واستعيد صورة اللحظات التي حيل فيها بيني وبين ولدي وزوجي، وأظل أبكي حتى يخيم علي الليل.
وبقيت على ذلك سنة أو قريباً من سنةٍ إلى أن مر بي رجل من بني عمي فرق لحالي ورحمني وقال لبني قوني:
ألا تطلقون هذه المسكينة!! فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها.
وما زال بهم يستلين قلوبهم، ويستدر عواطفهم حتى قالوا لي:
الحقي بزوجك إن شئت.
ولكن كيف لي أن ألحق بزوجي في المدينة وأترك ولدي وفلذة كبدي في مكة عند بني عبد الأسد؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

"الدعاء عطاء".❤️