السبت، 7 فبراير 2015

حٌّبي لمن؟ د. ريم الباني

لم الحديث عن الحب:

لم أحدثكِ عن الحب يا فرحة القلب ؟!

 لأن الحب ملح الحياة، ولأنه جمال الدنيا وروحها، تأملي حب الأم لأبنائها، حب الزوجين، حب الأخوان، حب الأصدقاء، ولا أحد يملك القدرة على العيش من دونه وقبل الانطلاق لا بد أن تعلمي أن الله عز وجل أحق من تصرف له المحبة، فو الله ما أرى يحل لعاقل ولا يجمل به أن يستوعب سوى حب الله عز و جل الذي سمَّى نفسه الودود سبحانه الذي يُحبُّ أولياءه وأولياءه يُحبونه قال تعالى{ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ } ( ١ )

 النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، تأملي ولله المثل الأعلى لو أن شخص يحسن إليك، بفطرتك ستحبينه وستأتمرين بأمره وستبتعدين عن كل ما يكره، ولا محسن على الحقيقة سوى الله عز وجل، نتقلب في نعم تترى منه جل في علاه، فهل أدينا شكرها حق الأداء !!

قال تعالى { وَجَعَلَ لَكُمُ السمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشكُرُونَ } ( ٢ )

 النفوس إذا أحبت شيئاً تعلقت به، والقلب إذا أحب الله وتعلق به وحده، ونفض عنه غبار التعلق بالمخلوقين، عاش صفي السريرة مرتاح البال، إن أحباء الله هم الذين ورثوا طيب الحياة وذاقوا نعيمها مما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم وربما وجدوا من حلاوة حبه في قلوبهم .

يقول ابن القيم - رحمه الله - :- « المؤمن المحب المخلص لله، من أطيب الناس عيشاً، وأنعمهم بالاً وأشرحهم صدراً، وأسرهم قلباً، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة، وفي الحديث « أحبوا الله من كل قلوبكم » ( ٣ ) فمتى امتلأ القلب بمحبة الله محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا لما يريد منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع بالله، وإن نظر نظر بالله».

ولنا في ذلك نماذج مشرفة لقلوب تعلقت بالله ..

- إبراهيم عليه السلام .. إبراهيم سأل ربه أن يهبه ولداً صالحاً فوهبه الله إسماعيل، فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه، فغار الخليل على قلب خليله، فجاء وقت الامتحان، قال تعالى ذاكراً ذلك الموقف العظيم لإبراهيم { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى في المنام أَنِّي أَذبَحُكَ فَانظُر مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افعَل مَا تُؤمَرُ ستَجِدُني إِن شاءَ الله مِنَ الصابِرِينَ * فَلَمَّا أَسلَمَا وَتَلَّهُ لِلجَبِينِ * وَنَادَينَاهُ أَن يَا إِبرَاهِيمُ * قَد صدَّقتَ الرّؤيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجزي المحسنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المبين } ( ٤ )

------------------------------





نجح إبراهيم عليه السلام في الاختبار، وفي موقف عظيم ضرب أروع الأمثلة في الثقة بالله، وصدق اليقين بنصره، حينما كادوا له قومه وأشعلوا النيران، و أعدوا له المنجنيق حتى يلقى على مرأى من الناس، يأتيه جبريل عليه السلام ويقول له :- يا إبراهيم ألك بحاجة ؟ فيقول:- أما منك فلا وأما من الله فنعم ( حسبي الله ونعم الوكيل ) فكان جزاؤه { قُلنَا يَا نَارُ كُوني بَردًا وَسلامَا عَلَى إِبرَاهِيمَ } ( ٥ )

- موسى عليه السلام .. حينما أوحى الله إليه ليلاً بالخروج، فعلم بذلك فرعون فلحق بهم، قال الله { فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعَانِ قَالَ أصحَابُ مُوسى إِنَّا لمدرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سيَهدِينِ } فكان جزاؤه { فَأوحَينَا إِلى مُوسى أَنِ اضرِب بِّعَصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظِيمِ } ( ٦ )

- محمد صلى الله عليه وسلم .. { إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} فكان جزاؤه { فَأَنزَلَ الله سكِينَتَهُ عَلَيهِ وأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لم تَرَوهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السفلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ العُليَا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ( ٧ ) السؤال المهم .. ما الذي يحول بيننا وبين هذه المنزلة العظيمة ؟!

يقول ابن القيم « اعلم أن القلب إذا خلا من الاهتمام بالدنيا والتعلق بما فيها من مال أو رئاسة، وتعلق القلب بالآخرة والاهتمام بها من تحصيل العدة، والتأهب للقدوم على الله عز وجل، فذلك أول فتوحه وتباشيره، فعند ذلك يتحرك قلبه لمعرفة ما يرضي به ربه، فيفعله ويتقرب به إليه، وما يسخطه عليه فيجتنبه وهذا عنوان صدق الإرادة ».

فأول الطريق للخير هو أن نطرد هذه الدنيا من قلوبنا وتأملي قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث العظيم الذي صححه ابن حبان يقول « إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء » « والدنيا حقيرة لا تساوي عند الله جناح بعوضه ».

قال الله عنها { وَاضرِب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السمَاء } ( ٨ ) يقول القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية العظيمة « إنما شبه تعالى الدنيا بالماء لأن الماء لا يستقر في موضع كذلك الدنيا لا تبقى على حال واحدة، ولأن الماء لا يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا منبتا وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكا وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع وفضولها يضر »

ويقول تعالى وهي وصية لنا من فوق سبع سماوات { وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الداَّرَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وأَحسن كَمَا أَحسنَ الله إِلَيك } ( ٩ )

------------------------------

 




يقول عثمان رضي الله عنه « إنما أعطاكم الله الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطيكموها لتركنوا إليها »

ويقول الحسن البصري رحمه الله « رحم الله أقواماً كانت الدنيا عندهم وديعة، فأدوها إلى من ائتمنهم، ورحلوا من الدنيا خفافاً »

وأبسط مثال على حقارة هذه الحياة الدنيا، وأنها عند الله ليست غالية ولا عزيزة أنها تنتهي بنفخة يقول تعالى: { وَنُفِخَ في الصورِ فَصعِقَ مَن في السمَاوَاتِ وَمَن في الأَرض إِلَّا مَن شاءَ الله } ( ١٠ )



~~~>>>


١ المائدة : ٥٤

٢ السجدة : ٩

٣ سنن البيهقي ( ٢/ ٥٢٤، ٥٢٥ )

٤ الصافات : ١٠٢ - ١٠٦

٥ الأنبياء : ٦٩

٦ الشعراء : ٦١ - ٦٣

٧ التوبة : ٤٠

٨ الكهف : ٤٥

٩ القصص : ٧٧

١٠ الزمر : ٦٨



ص٦٣،٦٢،٦١ 

الفصل الخامس: حبٌّي لمن؟

من كتاب فرحة القلب أنتِ لـ د. ريم الباني💜🌱

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

"الدعاء عطاء".❤️